44 سنة هو عمر جريدتنا «الاتحاد». أربعة أجيال من القراء، نشأت مع/ أو رافقت هذه الجريدة. أخذوا منها واستمدت منهم. وتلك ليست ميزة «الاتحاد» وحدها. هي ميزة مهنة الصحافة منذ أن كتبت رسالتها أول مرة على ورق البردي أو نقشتها على الصخور، إلى أن علّقت مراسيم وقرارات في الميادين وعلى أبواب المعابد، إلى أن منحت عبقرية الألماني يوهانز جوتنبرغ البشرية هدية الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر. ميزة «الاتحاد» في تاريخ الصحافة المكتوبة، إنها جريدة التأسيس. جريدة مؤسِسة (بكسر السين الأولى). درسنا عوامل كثيرة تدفع أو تبرر نشأة الصحف السيارة أو الدورية. هناك صحف استمدت مبررات وجودها من الجماعات، الطوائف، الأحزاب، فظهرت كمنشورات تحريض أحياناً، وأبواق دعاية دائماً. وهناك صحف نهضت فوق أبنية الأيديولوجيات، فبدت وكأنها هامش في نص فكري. وهناك صحف أنشأتها شبكات مراكز المال والأعمال فنطقت باسم مصالحها المريبة أو المشروعة. وهناك صحف زرعتها أجهزة فنمت كنبت شيطاني يؤذي بمجرد وجوده. وهناك صحف جعلت منها أنظمة الحكم مرآتها السحرية، تجمّل صورتها وتبهّر خطابها. وهناك صحف جاد بها مهنيون مخلصون فأجادت في الرسالة والهدف. نشأة جريدة «الاتحاد»، قياساً على التجارب السابق ذكرها، تبدو مختلفة. فهي منذ عددها الأول لم تظهر كصحيفة جماعة أو حزب أو أيديولوجية أو شركة أو حكومة.. كانت بشكل جلي، وبلا لبس، صوت وطن محلوم به. هكذا أرادها مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وباني نهضتها، المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، صوت الآتي وليس الغادي. صوت الوطن الذي تتطلع إليه العقول والقلوب، قبل أن يولد من رحم الإرادة والعزيمة. لذلك فإن تأسيس جريدة «الاتحاد» قبل سنتين من قيام الاتحاد الدولة، هو ميزتها الأولى، ومواكبتها لمسيرة النهوض والبناء والنماء المستمر هو ميزتها الدائمة. عند دراسة أحوال وتحولات المجتمع الإماراتي في الأربعين سنة الأخيرة، لا بد أن تكون «الاتحاد» في طليعة المؤثرات وعوامل التحول. فعلى صفحاتها ظهرت تباشير مهنة جديدة على المجتمع الوليد، واستحدثت أول وسيلة تواصل اجتماعي، وكتبت أول النصوص بأقلام أبناء البلد، ومنها انطلقت أسماء وأعلام سوف تبرق لاحقاً في سماء الإبداع.. «الاتحاد» سبقت عملية التأسيس، لكي تكون في خضمها. وبعد 44 سنة ها هي «الاتحاد» تحتل مكانتها المهنية في الصحافة المعاصرة. تنال حصتها من التطور التكنولوجي الذي أحرزه القطاع في العقود الأخيرة، وتضيف إلى تقاليد المهنة تجربتها المتجددة. وهي تقاليد بدت في مراحل كثيرة محل تهديد. فقد هددها ظهور الإذاعة، ومن ثم نشأة التلفزيون وتطوره مع البث الفضائي، وما تلاه من توسع وتجذر شبكة الإنترنت، ما جعل صحفاً كثيرة ـ ومنها «الاتحاد» ـ تعير اهتماماً أكبر لمواقعها الإلكترونية، فيما أخرى تتخلى عن طبعاتها الورقية لصالح الصيغة الرقمية، وآخرها، على سبيل المثال، لجوء صحيفة «لويدز ليست» الاقتصادية البريطانية التي أُسست عام 1734 إلى الاكتفاء بموقعها الإنترنيتي. أضف إلى ذلك نشأة ذلك النوع من الصحافة المرتجلة، التي يحسنها كل صاحب حساب على مواقع التواصل الاجتماعي. في ظل كل ذلك احتفلت «الاتحاد» بمرور 44 سنة على تأسيسها، بالتطلع إلى المستقبل، انطلاقاً من الينابيع المهنية الأولى. من الخبر في خميرته الأساسية، قبل أن يتحول إلى وجهة نظر. وهو التحدي الذي وضعه رئيس التحرير الأستاذ محمد الحمادي أمام العاملين في حضرة صاحبة الجلالة. الخبر هو أساس الصحافة، وخبرنا الآن هو «الاتحاد». عادل علي adelk58@hotmail.com