أحببت السينما دوماً؛ هذا الغياب المذهل في الصالة المعتمة عن كل تلك الخيوط المتشابكة في الخارج؛ الاستراحة من المحاولة الدؤوبة لفك التشابك وإيجاد مخرج من المتاهة ولو لساعة، ويحصل كثيراً أن يقدم هذا الغياب حلولاً لفك العقدة وإيضاح الطريق، لذلك التحقت مؤخراً بكورس سينما، على النهج الأمريكي. أردت أن أعيش الجو وأرى الحكاية من الداخل، فإذا به ليس جواً إطلاقاً، لكن مجرد منصة انطلاق لا مُهادنة فيها لصواريخ هدفها إصابة جيوب المشاهد. هكذا بالضبط قدموا السينما: صناعة مال. وكان هذا مرهقاً للغاية ومخيباً للآمال. لآمالي أنا على الأقل. أردت أن أجرب نفسي في صناعة الأفلام؛ لدي أفكار، ماذا لو تعلمت كيف أضعها على الشاشة، وللصورة المتحركة قوة، وتأثير، ومدى أبعد للوصول. كتبت مشاهد عن كاتبة لا تقوى على الحركة وتبحث عن حريتها في غصن شجرة، وعن امرأة تعيش في سجن ذاتها وترسم باب خلاصها على جدار صامت، وعن عاملة بائسة تكتشف جمالها بلمسة محبة، ووجدتني دون تخطيط أكتب فقط عن النساء. ولم تكن هذه الأفكار تعجب القيّمين القادمين مباشرة من هوليوود، فهي تفتقر إلى عنصر الإثارة، لا يوجد في القصة كائن فضائي يهبط من السماء، ولا يوجد بطل أسطوري ينقذ سكان الأرض، ولا يوجد فيها شخصية تتحول لغوريلا، ولا دماء تتدفق من رقاب ضحايا قاتل متسلسل، «نريد أكشن»، وأنا لا أمتلك حرفة الأكشن. كل ما أردت قوله هي قصص حياة عادية لنسوة عاديات أردن الحياة. وهذا ليس ما تريده «الصناعة» السينمائية اللاهثة وراء المال. وتذكرت أني كنت دوماً في الحوارات الصحفية أنفي عن نفسي وصمة «النسوية» التي يشيرون بها إلى كتابتي وأقول أني أحاول الكتابة فقط عن الإنسان. لكني أدركت أن كل ما يهمني حقاً هو حكايات النساء... وأدركت أن قصة المرأة هي قصة الحياة، وهي قصة الإنسان، وهي الملحمة الجوهرية لقصة الحضارة الانسانية. ربما لن أصبح صانعة أفلام كما تخيلت نفسي في لحظة شغف. لكني خرجت من هذا الكورس بإدراكات جديدة عن نفسي مفادها أني لن أعرف ماذا أريد حتى أجرب، وأني أكثر ارتياحاً في سحر الكلمة المكتوبة، وأني أفضّل الغياب في ظلام صالة السينما على السقوط في ظلمة كواليسها.