شيئان عصيان على الفهم، ومدعاة للعجب، ولا أجد لهما تفسيراً: • الأول: فريقان من طائفتين مختلفتين، كانا يعيشان في وئام اجتماعي، وضمن مقومات الدولة الوطنية، ويكادان أن ينصهرا في وشائج من العلاقات الإنسانية، حد اختلاط الدم والنسب، ويأتي زمان عليهما، تسود فيه الفوضى السياسية، وتنحل دولة القانون، ويستباح البلد من العدو القديم، ومن قوات التدخل، والمخابرات المختلفة، والمهربين، ومن كانت في نفسه إمارة، فأمرّ نفسه، وإذا بالفريقين يقفان كل منهما على حدة مع هذه الطائفة أو الجهة البارّة أو يصبحان عميلين لأجهزة متعددة ومتخالطة، ويتشاركان في النهب والتهريب، لكن كل فريق يعمل لحسابه، حتى يتورما، وينتفخا بالأمور الكاذبة، فيقف كل فريق وراء متراس، مدافعاً عن لصوصيته وسرقته واستزلامه، ورخصه الوطني، فيرفع السلاح في وجه الآخر، بتغطية طائفية أو عشائرية أو تحت عناوين مللية ونحلية، فيبدآن يمزقان بعضهما بعضاً، ثم يتمزق الوطن لمناطق، ويظلان يحرسان تلك المناطق الموبوءة بالحرب والفساد، وامتهان العباد، ويصبح كل فريق يستبيح الآخر مذهبياً، وكأنهما لم يكونا يوماً جيراناً، ويعتاش الفريقان بفائدة استمرار حربهما العبثية، ويستغني أفراد لا يعرفون أمهاتهم، وبالتالي لا يعرفون قيمة الوطن، ومعنى الوطن، الغريب في الأمر أن نفس الفريقين المتحاربين هذين، حينما يغيران الساحة، ويذهبان لساحة أخرى غير ساحة الوطن المستباح، يجدان شيئاً آخر يستبيحانه، وهذه المرة تلك الموائد الليلية العامرة بالفجور، ولعاب المستسعرين، فيبدأ أعضاء الفريقين في وئام ليلي منتش بالخمرة والنساء والمفاخرة، ونشدان التفوق، وبدلاً من تلك الراجمات والقذائف وسيارات التفجير، يتسابقان في تفجير رؤوس زجاجات الشامبانيا، تحية لبعضهما بعضاً، ومن ثم يتقاذفان بالتحيات النقدية الورقية، ولا يسلم الأمر أن يحلف صاحب الطاولة الذي سبق في المجيء أن يدفع حساب طاولة غريمه في الوطن، نديمه في بلد المسرات، يظلان ليلاً يتبادلان الأنخاب والعزائم والصرف والإسراف في التودد والتقرب من بعض، وربما يدخلان في شراكة عمل على حساب المتقاتلين هناك الذين لا يدرون شيئاً عن ليل المسرة المتفجر بالشامبانيا. • الأمر الآخر المثير للاستغراب والتعجب، والعصي على الفهم، كيف أن لبنان هو البلد الوحيد الذي يمكن أن يعيش، ويتعايش بدون رئيس أو رأس، حتى الفاتيكان، تلك البقعة الصغيرة كبلد، لا يمكنها أن تستقر بدون «بابا»، ويظلون يحرقون أوراق الانتخابات حتى يتبين الخيط الأبيض من الدخان الرمادي، وحده لبنان، برئيس، بدون رئيس «عائش بيك وإلا بلاك..»!