الفكرة السائدة هي أن القارئ أو المتلقي، هو الذي يختار قراءاته ونصوصه، وبالتالي فهو أميل إلى السلب منه إلى الإيجاب·· فإذا كان الإبداع رسالة، فهناك ثلاثة أطراف لا محالة في هذه المسألة: الرسالة بذاتها أو ''النص'' و''المرسل'' الفاعل، و''المرسل إليه'' المتلقي· ولكن التأمل في مسألة الكتابة الإبداعية وأطرافها يقودنا إلى ملاحظات جوهرية، قد تؤثر على تكوين النص وعلاقته بأطرافه، كما تؤثر على جوهره هو وكيانه· فليس صحيحاً بالمطلق، أن القارئ هو الذي يختار نصوصه وقراءاته، وبالتالي كتّابه ومبدعيه· إن ثمة ما يشير أحياناً، إلى أن النص الإبداعي بذاته، هو الذي يختار قارئه، كالسهم الموجه إلى دائرة محددة، أو نقطة في الدائرة·· وتغدو القراءة تبعاً لذلك، استحقاقاً يستحقه القارئ، ويغدو النص مكافأة القارئ، وهدية المتلقي·· فالشاعر هو الذي يصنع قراءه، أكثر مما يختار القراء شاعرهم· والعلاقة بين الشاعر وقرائه، أو بين الشاعر والمتلقي، علاقة معقدة، ويلعب فيها الزمان والمكان واللغة أدواراً معدلة وأحياناً حاسمة· فلمن يكتب الشاعر يا ترى؟ هل يكتب لذاته؟ هل يكتب للآخرين؟ أم هو يكتب لقارئ غامض ومستور بين الذات والآخرين وتختلف ملامحه من جيل لآخر، ومن قراءة لأخرى؟ وحتى من لغة لأخرى، وذلك باعتبار النص الشعري ينتقل في الزمان والمكان والناس ويتفاعل معهم، وهو على الرغم صعوبة ترجمته من لغته الأم، إلى لغات أخرى صعوبة تصل لحدود الاستحالة، إلا أنه قابل للترجمة وخاضع لها فما من شاعر إلا وترجم لأكثر من لغة حية، وما من قصيدة معتبرة، إلا ونقلت إلى عشرات لغات المعمورة·· فأين هي حدود الشاعر؟ وأين هي حدود القارئ؟ وأين هي حدود القصيدة؟