باتت المواقف المتناقضة بين الدول، كالعواصف الرملية تلطم بعضها بعضاً، فتثير تيارات هوائية غاضبة لا تقاومها أي قوة. دول إقليمية ودولية، تشتم الإرهاب ليل نهار وتدعمه، وتضخمه وتفاقمه بالأسلحة، ودول تصف دولاً بالإرهاب، وتلعن أرضها وسماءها،ثم تعود وتعقد معها الاتفاقيات، والمصالحات، وكأن ما يحصل بين ساسة هذه الدول، هو مجرد شجار بين تلاميذ مدرسة ابتدائية. نعرف جيداً أن السياسة مصالح، ولكن عندما تصبح المصالح بلا أخلاق، ولا قيم فإنها تقود إلى معضلة، وتؤدي إلى اختلاط الألوان الزاهية باللون الأسود، فتعطي لوناً رمادياً باهتاً، شائهاً مقززاً مستفزاً. ما يحصل في المنطقة العربية، وهي ساحة هذه المماحكات والمغالطات، والأخطاء الشنيعة التي أدت إلى محو دول، وأخرى تعيش موتاً سريرياً، كل ذلك يجعل الثقة بالمواقف الدولية مجرد تعلق بحبال مهترئة، والاعتقاد بأن الخارج يمكن أن يحل مشكلة داخلية لأي دولة من الدول، مجرد سعي وراء سراب لا يؤدي إلا إلى تعب الأقدام، وسغب العيون، وضياع للوقت، نتيجته تحول المواطن العربي إلى متلقٍ للأمنيات التي لم ولن تأتي. فالنفاق السياسي بين الدول ضرب أطنابه، واصلاً إلى الذروة القصوى، والمصالح الدولية نسفت مصالح الغير، ومن أيدوا الديموقراطية بالأمس يحاربونها اليوم، ومن وقفوا ضد الإخوان ساندوهم اليوم، ومن لعن الإرهاب من جهة، يمنحه الحدود والسدود ويفتح له خزائن الأسلحة، لكي يدمر ويخرب ويسفك الدماء.
إذاً لا ثوابت في سياسة المصالح اللاأخلاقية، ولا قيم يمكن أن تردع هذا أو ذاك، المهم في الأمر أن يعي الإنسان العربي أن ما يُدبَّر بحقه وما يحاك ضده، هي لعبة الشياطين، ودورة الطواحين التي لن تسحق إلا مصيره، وهذا ما يجب أن يوقظه إلى نقطة مهمة، إن الانتماء إلى الوطن والتشبث بسيادته وتطويقه بالحب هو الحل، أما ما يتم تسويقه في المهرجانات الدولية ليس إلا لأهداف تخص أصحابها.
نقول بكل صراحة «ما يحك ظهرك إلا ظفرك» والوطنية الحقيقية ليست بالظواهر الصوتية، ولا بفتح الأبواق العالية النبرة، الوطنية أن نضع أوطاننا ما بين الرمش والرمش، وأمن بلداننا هو حريتنا الحقيقية، وسلامة مكتسباتنا هي حوارنا الحقيقي والصادق مع الذات والآخر.. فالاستناد إلى مخدات الغير، لا يكسب منه غير المفخخات، وحرق الأخضر والأصفر. ما يجري في الساحة الدولية يجب أن يدق في آذاننا أجراس الخطر، ويخبرنا بأن الارتهان إلى الأجندات السوداوية، لا يُجنى منه سوى تفكيك المقدس ونشر المدنس، وإضاعة القيم وتذويب الشيم، في غازات الأسيد والسيانيد.


Uae88999@gmail.com