عندما أصدر صلاح عبدالصبور ديوانه الأول “الناس في بلادي” في يناير 1957، كان للديوان وقع الدويّ الذي جذب إليه كل التيارات الأدبية التي رأت في صدور الديوان حدثا شعريا استثنائيا، يستحق التقدير والتحية، وتبارى الجميع في الترحيب بالديوان، سواء في مصر أو خارجها، واهتم الماركسيون بالديوان لما فيه من انحياز إلى الفقراء الكادحين أولا، وما فيه من معارضة نقضية للشاعر الإنجليزي الأشهر تي. إس. إليوت الذي كان اليسار الأوروبي يصفه بالرجعية بسبب أفكاره المحافظة ودعوته إلى العودة إلى حضن الكنيسة بوصفها رمزا للخلاص الاعتقادي. وقد صاغ المرحوم محمود أمين العالم ذلك كله في مقال ضاف في مجلة “الثقافة الجديدة” التي كان يرأس تحريرها المرحوم يوسف السباعي. وقد ذكرت محمود أمين العالم، هنا، بوصفه مثالا على غيره من الماركسيين والشيوعيين المصريين والعرب في الوقت نفسه، كما اهتمت بالديوان بالقدر نفسه الطوائف الوجودية التي كانت شائعة في الخمسينيات، وذلك بسبب وجود قصائد تشي بنزعة وجودية واضحة، وبالقدر نفسه وجد الإنسانيون الجدد من أمثال لويس عوض في الديوان حدثا فريدا. أما بقية المجموعات القرائية الأخرى فقد احتفت بالديوان للقصائد الوطنية التي كتبها صلاح ضد العدوان الثلاثي على مصر من ناحية، وتمجيدا للأبطال الذين خلّدهم وعي المقاومة الشعبي ضد الاحتلال من ناحية موازية. وكان ذلك بسبب قصيدة “شنق زهران” الملحمية التي تكررت إذاعتها في الإذاعة المصرية، وصدر عنها فيلمان سينمائيان يتوليان تجسيد صور القصيدة من خلال من قام بتمثيل شخصية زهران، ولا أظن أن قصيدة عربية نالت من الشعبية، وحظيت باستحسان الجماهير، مثلما لقيت قصيدة “شنق زهران”. ولم تخل طوائف المحتفلين بالديوان من الديموقراطيين المعادين للحكم الفردي الاستبدادي، فقد وجد هؤلاء فيما فعله مجلس قيادة الثورة، في أزمة مارس 1954، انقلابا على الديموقراطية بزعامة جمال عبد الناصر، وقد أنكر صلاح عاشق الديموقراطية ما فعله عبدالناصر في مارس 1954، فكتب قصيدته “عودة ذي الوجه الكئيب” ضد عبدالناصر، وأهداها، على سبيل التقية “إلى الاستعمار وأعوانه”.. المهم أن ظاهرة استقبال ديوان صلاح عبدالصبور الأول لم تتكرر، مع شاعر مصري غيره، رغم الحفاوة النسبية لاستقبال ديوان حجازي “مدينة بلا قلب” الذي صدر بعد ديوان صلاح بعامين.