ظلت الحكومات تعتمد على مدارس وأساليب تقليدية في الإدارة العامة، لتحقيق أهدافها في تنفيذ السياسات وتقديم الخدمة العامة، دون انتظار أية عوائد مالية مجزية، على اعتبار أن مكاسب دولة القطاع العام الأساسية تكمن في الأمن الاجتماعي، واستقرار الأسواق، وإتاحة الوظائف لامتصاص البطالة، إضافة إلى تفعيل حضور القوى العاملة في دورة الإنتاج.
الحكومات، كسلطات تنفيذية، ما تزال تحافظ على دورها في العالم المتقدم، وتصبح أقل فاعلية في المجتمعات النامية، كونها تصطدم بعقبة الموارد، وكفاءة إدارتها، وبمشكلات تتعلق بطبيعة الأداء البيروقراطي، وضعف قوانين وتدابير الشفافية، ما أدى إلى تفاقم الفساد في النظم الإدارية العامة في غير بلد نامٍ.
على أن الأدوار الكلاسيكية للحكومات، تعرضت إلى تغيّرات مفصلية في العقدين الماضيين، لمواجهة استحقاقات الثورة التكنولوجية، أو لترهل القطاع العام وضعف قدرته على مجاراة الحداثة، فتطلب ذلك أن تعمل السلطات التنفيذية بمنطق القطاع الخاص، خصوصاً، بعد ارتفاع تكاليف الخدمة، وزيادة القناعة بأن للإدارة العامة تنافسية يجب ألا تتخلى عنها، وهي تراقب النجاحات الكبرى للشركات الأهلية العملاقة.
الآن، على الحكومات أن تواجه مفاهيم جديدة، أنتجتها العولمة، ولا مجال لتأجيلها، فالطباعة الثلاثية الأبعاد وصلت إلى التشخيص وإيجاد الحلول الصحية، والذكاء الاصطناعي، ليس خيالاً عملياً، وتستخدمه حالياً دوائر خدمة المتعاملين الحكومية، ومصارف القطاع الخاص، وستصل تطبيقاته إلى مختلف القطاعات، والأمر نفسه ينسحب على نظم تقنية ذات طابع ثوري، مثل «إنترنت الأشياء» و«بلوك تشين» وسواهما.
للمستقبل منظوره وأدواته، وهذا ما سعت إليه الإمارات في سبع دورات من «القمة العالمية للحكومات»، على قاعدة أن حكومات الماضي، لم تعد صالحة للمستقبل، فنحن إزاء واقع جديد، لا تستطيع الإدارة العامة التقليدية استيعابه والتعبير عنه، ولذلك طرحت الإمارات رؤيتها منذ سبع سنوات، ونجحت في لفت أنظار الحكومات العالمية إلى ضرورة الإسهام في هذه المنصة السنوية، شرطاً للاستعداد للمستقبل.
الإمارات بدأت مشروعاً وطنياً لتكون أكثر جاهزية للمستقبل، فمثلاً، ما تزال تقنية «بلوك تشين» تثير شكوكاً وتردداً لدى حكومات عدة في الشرق الأوسط، لكن حكومة الإمارات قررت التكيّف مع هذا الابتكار الفذ في المعاملات الحكومية، وستبدأ قريباً في اعتماد «بلوك تشين» في توثيق البيانات وتصديقها، مثل الشهادات والرخص، وخدمات المتعاملين، بحيث يكون التصديق رقمياً.
معنى ذلك أن الوثائق والتعاملات المالية التي كانت تستغرق أسبوعين بين مكاتب وإجراءات الإدارة التقليدية، لن يستغرق إنجازها أكثر من ساعة في العام 2019، بفضل «بلوك تشين»، وذلك بعدما أنجزت الدولة كثيراً من البنى التحتية الرقمية في إطار الحكومة الذكية. ما معناه، أنّ جودة الحياة ونوعيتها ستكونان أفضل في الإمارات، وقد حجزت مقعدها الأساسي على منصة «حكومات المستقبل».