بعد سنين من التألق والجمال والغواية، بعد عمر طويل من الحضور العالمي على الشاشة الفضية الساحرة، تأتي الممثلة الفرنسية الشهيرة بريجيت باردو لتقول إنها لم تكن تشعر في شبابها وسنوات مجدها الفني بأنها جميلة ـ وهنا تقصد باردو جمالها الظاهري أي جمال الوجه والجسد ـ وأنها الآن في السابعة والسبعين من العمر تشعر بانها اكثر تألقا وان لحظة قرار الخروج من البيت لا تخلق لديها أي من الألق كما كان في السابق، ذلك لانها لم تعد تهتم بفعل الإغواء، وإنها أصبحت تغادر البيت دون أن تفكر انها ستغوي أحداً. عند هذا الحد تخلق باردو علامة استفهام في الاسباب التي جعلتها تشعر بانها غير جذابة وجميلة بالرغم من أن كل معجبيها ومتابعيها سواء كانت عيون الكاميرا او عيون البشر، في كل تاريخها الفني يقولون عكس ذلك تماما. في ذلك العالم الصاخب، عالم الفن والشهرة، حيث يتنافس الجمال الجسدي لإثبات الحضور في المشهد الفني والوسط الفني، تغيب الروح تماما أو بمعنى أصح يغيب الاعتناء بالروح وبالقلب، ويبقى التركيز مكرسا على حضور الجسد وتوقد العقل، للفوز بأهم وأفضل الأدوار في القصص السينمائية، ولتأكيد البقاء والحضور الدائم، وفي خضم ذلك يُخلق القلق والتوتر والشك والريبة في عالم التنافس المبني على المظهر أكثر منه على الجوهر، حيث تنحسر وتتلاشى أشياء حميمة تتعلق بالذات وقبولها في واقع غير مستقر، تتلاشى تلك الأشياء المتمثلة في الثقة والصدق مع الذات والقيم والقناعات الأخلاقية أحيانا والفكرية احيانا اخرى في طريق الصعود إلى الأعلى، ذلك الأعلى الذي يُرى ويفهم بشكل نسبي وحسب قناعة وفهم كل شخص. ومن هنا تأتي حالة باردو وهي في السابعة والسبعين من العمر لتقول إنها في هذا العمر تجد نفسها اكثر، حيث لم يعد يعنيها أن تخرج لتغوي أحدهم، بل إنها تخرج دون تردد وأن حياتها مليئة بانشغالات منها اهتمامها بالحيوانات؛ وهذا الاهتمام من باردو بالحيوانات له أيضا دلالات مهمة بعد سيرة مليئة بالتجارب في عالم البشر. لكن في السابعة والسبعين وقبل ذلك بالتأكيد ذهبت باردو إلى لمس روحها واكتشاف شيء آخر عندما تصالحت من الداخل، مع داخلها الانساني وانتبهت للجمال الحقيقي للحياة، الجمال الذي يتمثل في التصالح مع الذات والسكون والسكينة في القلب، حيث الجمال يأتي من الداخل وليس من الخارج. نعم يأتي الجمال من الداخل وليس من الخارج، جمال الروح وجمال القلب ونقاوة النفس يشعون من العيون الصافية ومن الوجه المشرق والجسد الواثق، وهو جمال راسخ لا يتغير، يمكنك ان تراه في الوجه وهو في أوج شبابه وفي ثقة خريفه.. جمال غير مربك لصاحبه، إنه يشرق كشروق الشمس ومسفرا كضوء القمر، إنه يغوي دون أن يقرر صاحبه ذلك، دون استعدادات وخطط وأفخاخ، يغوي كما النسيم القادم من البحر أو من أعالي الجبال. الجمال يوجد في كل وجودنا وما علينا سوى أن نلمسه ونطلقه كي يجعل الحياة أجمل. سعد جمعة | saad.alhabshi@admedia.ae