قبل أقل من ثلاثة عقود كان الزائر لمدينة كيجالي عاصمة رواندا لا يشم غير رائحة الموت والغدر المتربص عند كل زاوية في بلد شهد أسوء وأفظع حرب إبادة عرقية في التاريخ المعاصر، ذهب ضحيتها نحو مليون إنسان، وكثيرون منا لم يعرفوا اسم ذلك البلد الأفريقي سوى من نشرات الأخبار خلال تلك الحقبة الدامية السوداء من تاريخ البلاد أو من ذلك الفيلم الشهير الذي أنتجته هوليوود عن المأساة باسم «هوتيل رواندا».
تحل رواندا ضيف شرف في الدورة السابعة للقمة العالمية للحكومات التي انطلقت رسمياً أمس بحضور ورعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لتروي قصتها الملهمة بعد أن نهضت من أنقاض الدمار والبؤس والانهيار والفقر وانتزعت لقب «سنغافورة أفريقيا»، واختيرت كيجالي كأجمل وأنظف عاصمة في القارة السمراء بعد أن خصص سكانها يوماً في الأسبوع يخرجون طواعية لتنظيف مدينتهم، وتصدر نصيب الفرد فيها الترتيب على مستوى القارة، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي فيها العام 2018 نحو 7.2 حسب إحصاءات صندوق النقد الدولي. وحققت ريادة في تكنولوجيا الاتصالات بعد أن أغلقت أبواب البلاد أمام تجار السلاح وفتحتها أمام كبريات شركات التقنية العالمية وأتاحت الإنترنت مجاناً في المواصلات العامة وسيارات الأجرة، وفي المستشفيات وفي معظم المباني التجارية والخدمية.
وتصدرت ترتيب أكثر دول أفريقيا استقطاباً للمستثمرين بعد أن نفذت سلسلة إصلاحات هيكلية قلصت معها الوقت اللازم لفتح نشاط تجاري من 43 يوماً إلى أربعة أيام فقط. وأصبحت وجهة تعليمية مفضلة بعد أن فتحت الأبواب للمدارس والجامعات الدولية. كما تحولت لمقصد سياحي مفضل إثر إلغاء تأشيرات الدخول وتوفير بنية تحتية متطورة للسياحة اجتذبت أكثر من مليون سائح العام الماضي.
عندما استلم الرئيس بول كاجامي الذي يستعرض أمام القمة تجربة بلاده في نقل مليون مواطن من الفقر ليصنع منهم طبقة متوسطة، كان كثير التردد على الإمارات ودبي، وأوفد بعثات للاستفادة من تجربة سنغافورة وتبني سياسات لصالح تمكين الإنسان وجودة الحياة وتمكين الفرد وزيادة فرص العمل، وتنويع الاقتصاد.
ويظل أهم مكون في صنع المعجزة الرواندية وسرها الأكبر يكمن في التسامح الذي تبنته القيادة وتوافق عليه مواطنوها في محاكمة مصغرة لتدفن معها أحقاد وأهوال الماضي وتتفرغ للمستقبل.