طوال الأسابيع القليلة الماضية، تفرغت لإنتاج الشاعر حلمي سالم عليه رحمه الله. وحلمي أقرب شعراء السبعينيات إلى قلبي؛ فقد عرفته وهو طالب في السنة الأولى من قسم الصحافة الذي تحول بعد ذلك إلى كلية الإعلام. وكان حلمي يأتي إلىّ بقصائده في مطالع السبعينيات كي أقول له ما أراه فيها. وأعترف أنني ما رأيت مثله من الطلاب الذين درست لهم، محباً للشعر وعاشقاً له، وقارئاً في كل دواوينه. وكان من الطبيعي أن يبدأ بمحبة صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي من مصر، وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة من العراق، وقد أضاف إليهم شعراء المقاومة الفلسطينية الذين أصبحوا ظاهرة عربية بارزة في السبعينيات. ولكن بعد الأثر التدميري لهزيمة 1967 التي أحدثت انقلابا جذريا في وجدان جيل السبعينيات، فدفعت عددا منهم إلى أقصى اليمين، حيث جماعة الإخوان وغيرها من جماعات الإسلام السياسي التي تحالف معها السادات كي يستقوي بها في مواجهة من رآهم خصوماً له من اليساريين والناصريين وحتى الليبراليين. وكان ذلك في مواجهة الاتجاه المضاد من الشباب الذي اتجه صوب اليسار؛ حيث الجماعات الماركسية واليسارية والناصرية التي كانت تموج بها جامعة القاهرة التي انتسب إليها حلمي في سنة 1969، وتخرج فيها سنة 1973 إن لم تخني الذاكرة. وكان حلمي قد اكتسب من التنظيمات التي انتسب إليها الانحياز إلى اليسار فكريا، والانحياز إلى الشعر إبداعيا، فضلاً عما تعلمه من قدرة على التجميع بين الأقران. ولذلك ما إن تخرج حتى أخذ يعمل على تجميع أقرانه لكي يصدر مجلة تعبر عن اتجاههم الشعري، وهو الأمر نفسه الذي فعلته مجموعة أخرى. هكذا، تشكلت جماعة «إضاءة» التي كان حلمي سالم هو المحرك لها، والذي عمل على إصدار مجلة خاصة بشعراء الجماعة، منحها اسم «إضاءة 77» أي سنة خروجها، أما الجماعة الثانية، فهي جماعة «أصوات» التي لم يكن فيها من يمتلك قدرة حلمي على الحشد والتجميع، فاقتصرت جماعة أصوات على إصدار دواوين بـ«الرونيو» لأعضائها الذين جمعوا بين عبد المنعم رمضان وأحمد طه ومحمد عيد وعبد المقصود عبد الكريم، في مقابل جماعة «إضاءة» التي ضمت- إلى جانب حلمي سالم- حسن طلب وأمجد ريان وجمال القصاص ووليد منير وغيرهم. وقد تشكلت من هذه الأسماء الكتلة الأساسية للجماعة التي أطلق عليها النقاد، أو أطلقوا هم على أنفسهم اسم «شعراء السبعينيات» الذين انضم إليهم عدد من الذين لم ينتموا إلى «أصوات» أو إلى «إضاءة»، من مثل رفعت سلام ومحمد صالح، ويمكن أن نضم إليهم محمد بدوي الذي لم يشغله النقد عن كتابة الشعر، وحسين حمودة الذي استبدل بالشعر النقد. وكان حلمي متميزا عن كل هؤلاء بغزارة إنتاجه الشعري من ناحية، وبميله إلى التنظير من ناحية مقابلة. وكان متأثرا في توجهاته الشعرية والتنظيرية بأدونيس (علي أحمد سعيد) الذي أصبح علما على الحداثة، الحداثة التي كانت الغواية الكبرى التي جذبت إليها شباب الشعراء في السبعينيات.