عناصر الفن من خطوط وأشكال وكتل وألوان، تتناغم وتشكل على سطح اللوحة سيمفونية الفن، هذه النغمة التي يُسمعها الفنان للمشاهد، نغمة ذات عملية تكوين لها شروطها وأدواتها وموادها، وكان الفنان الفرنسي هنري ماتيس قد عبر عن الدور الأساسي لنغمة التكوين، عندما قال “إن التأثير بصفة عامة في لوحاتي يعتمد على مبادئ التكوين، ذلك أن كلاً من المساحة التي يشغلها الموضوع والفضاء المحيط بها، لابد أن يحتلا مكانهما الخاص بهما في اللوحة”. عبر نغمة الفن الصادرة من المنتج الفني، تتحقق معجزة الفن، وتبدأ النغمات الفنية بتكوين خطوط متلاحمة مع فكر الفنان، تتحرك أذن المشاهد نحو هذه الخطوط الكهرومغناطيسية، ويبدأ الدماغ بترجمة هذه النغمات، ويدخل الفنان إلى مرحلة التقييم التحليلي لعملية الإنتاج الفني، ويبث الدماغ أحاسيس ومشاعر وفكر الفنان حتى يتشبع المنتج الفني بهذه الأفكار والأحاسيس، ومن ثم تنتقل بكامل اشعاعاتها إلى داخل المتلقي. تجبر نغمة الفن، الصادرة من المنتج الفني، المتلقي على الوقوف أمام المنتج الفني، فينتقل المتلقي من مرحلة الرؤية البصرية إلى الرؤية الوجدانية والانفعالية والفكرية والذهنية، فيزيد معدل الوعي لدى المتلقي، فيبحث المتلقي عن نغمة تتوافق مع حالته النفسية ومستواه الفكري والثقافي، عندما يجد المتلقي نغمة مشابهة لنغمته الداخلية، وتتحقق ظاهرة الرنين (توافق تردد الموجه المرسلة مع تردد الدائرة المستقبلة، يكون فيها التيار أكبر ما يمكن والمقاومة أقل ما يمكن)، مما يؤدي إلى حدوث كارثة توقض المتلقي أو توقعه في بئر عميقة مكسر الجدران، يترنح المتلقي محاولاً التخلص من حالة الرنين، لكنه يقع وسط نغمة أخرى تزيد من حالة التوتر، والرغبة في الشعور باللذة الفكرية، ويتحرك جسد المتلقي خارج دائرة الفن، ومن ثم يدخل دائرة أخرى، لا تتوافق النغمات التي تصدرها هذه الدائرة مع نغمة المتلقي، فتضعف المشهد الفني، فيلمس المتلقي جدران المنتج الفني محاولاً إيجاد نغمات، أقوى وأقرب لنغمته الداخلية، لكن محاولته في عملية البحث تبوؤ بالفشل، فينسحب المتلقي من دائرة الفن، جاراً معه المنتج الفني، ليخرجه من دائرة الفن، إلى دائرة العبث والدادائية. تتنوع الأدوات المستخدمة في إنتاج نغمة الفن، ولكنها تقع في قالب واحد، ألا وهو قالب الإنسانية والبحث عن فكر صاف من الأوهام، ومشبع بالواقع، فلا شيء أجمل من الواقع. عندما يمسك الفنان بالأداة الموسيقية، يمسكها بخفه وأحياناً بشدة، هذه الخفة والرقة تعلم الأداة الموسيقية نغمة الفن، عند أول نغمة تتجمع ذرات التراب في الهواء، وتبدأ بالرقص مشكلة عبر ذراتها، ذات الفنان الملتهبة بالأفكار، ما أن تدخل ذات المتلقي في المشهد الراقص، عبر ذرات التراب حتى تبدأ الوجوه والأيادي بالبروز، وسط زوبعة اللقاء بين ذات الفنان وذات المتلقي، ذات الفنان تموت وتذبل نغمتها من غير ذات المتلقي، فهما معاً يشكلان نغمة الرنين. science_97@yahoo.com