لم تكن الأديان السماوية الثلاثة على وئام دائم. كان الصراع الديني يطل دامياً في بلد عربي، وتصطدم الطوائف بعنف في بلد آخر، فيُطلق الرصاص على الناس تبعاً للهوية الدينية، أو الطائفية، ثم يجد المتحاربون حلاً في هدنات كثيرة، تتقطعها مؤتمرات «حوار الأديان»، إلى أن زادت إسرائيل الواقع سوءاً بإصرارها على يهودية دولتها، لتستنفر التطرّف على الجهة الأخرى.
لم يكن سلاماً، ما مرّ على الديانات الإبراهيمية في العقود الأخيرة. لبنان عاش 15 عاماً من حرب أهلية، اقتتل فيها المسلمون والمسيحيون، ورفض الجميع القبول بالتنوع، وذلك قبل طغيان التشدد، وحركات الإسلام السياسي، لتسجل فظائع ضد مسيحيي العراق، ومصر، وسوريا، ارتكبتها «القاعدة» و«داعش»، ونسخ إرهابية أخرى.
وفي القضية الفلسطينية، حيث يشل الاحتلال والاستيطان الإنسان والأرض، لا يزال أطراف الصراع مصممين على البعد الديني فيه، دون حلول، مع تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني اليومية، فيما تبقى إسرائيل الطرف الأقوى، وكأنها تقول للفلسطينيين والعرب، إنه إذا تصارعت فكرة دينية مع فكرة دينية مضادة، فإن الفوز حليف التي تمتلك اقتصاداً كبيراً وجيشاً أفضل.
المسلمون والمسيحيون واليهود في العالم العربي، يحتاجون إلى التسامح والسلام، وفهم مصالحهم جيداً، فالصراع الديني سواء كان معلناً أو مستتراً يذهب بالأمم إلى حقب مظلمة، والأكثر جدوى لها، هو الانطلاق من جوهر الديانات الإبراهيمية الثلاث، لأن «الأديان لم تكن أبداً بريداً للحروب، أو باعثة لمشاعر الكراهية والعداء والتعصب، أو مثيرة للعنف وإراقة الدماء، فهذه المآسي حصيلة الانحراف عن التعاليم الدينية، ونتيجة استغلال الأديان في السياسة»، كما جاء في «إعلان أبوظبي- وثيقة الأخوة الإنسانية».
هذا يمثل موقف الإمارات بدقة، ولذلك خصص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أرضاً لبناء «بيت العائلة الإبراهيمية» تخليداً لتاريخية اللقاء بين أبرز رمزين روحيين في العالم؛ قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس، والإمام الأكبر، شيخ الأزهر أحمد الطيب، في أبوظبي، وهذه ستكون مؤسسة إماراتية، تجسد تسامح قيادتنا، واحترامها للتنوع، ودعمها للسلام، وقد استقبلت بلادنا في الشهور الماضية شخصيات عالمية، تمثل الأديان السماوية الثلاثة، ومعتقدات أخرى، في سلسلة لقاءات ومؤتمرات.
«بيت العائلة الإبراهيمية» في أبوظبي، لأجل إحياء القيم المشتركة بين أتباع محمد وعيسى وموسى، عليهم السلام، ولأجل الحق والخير والسلام، وذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تتزين رسمياً هذا العام بـ«غافة» التسامح..