كم يوم مر عليك ولهب الشعر ما هبَّ. سادرة في سكون بارد. لائبة كروح حبيسة. كأسد ينوء بزنزانتهِ. يدك تتسلل إلى رفوف الكتب. تفتحين كتاباً وآخر. لا شيء يشعل اللهب.لا قصيدة هنا ولا فكرة هناك. اليأس شفيف كالندى إذ يسقط على «أوراق العشب».
هدوء يحتضنك كأنك عثرت على نفسك الهائمة. أكنت قد نسيت أوراق العشب حقاً؟
إذن كم أنت غارقة في سهو مرير. كم أخذتك التفاصيل منك ومن شاعرك الملْهم. شاعرك الذي أيقظ لهب روحك يوماً ما ودلّكِ عليكِ. كيف تنجحين في امتحانك العسير وأنت غائبة عن الحضور بين يديه؟ «أوراق العشب» التي لوالت ويتمان، الشاعر الذي كشف لك مباهج المرئي وما وراء المرئي.
افتحي أوراق العشب، خذيها وافركيها في روحك تماماً كما كانت جدتك تقطف أوراق الريحان، تفركها بين أصابعها وتبلسم جروح الشقاوة في ركبتيك. كما تناولك غصن الريحان لتضعيه بين طيات المصحف الذي كنت تتعلمين قراءته في بيت المطوعة «عائشة». كما تبارك به نجاحك وسلامتك. هكذا.. خذي أوراق العشب وامزجيها بمزاجك الراكد هذا كي يستيقظ لهب العافية في حروفك. مثلما كانت أمكِ تأخذك إلى الشيخ المتربع على سجادته ليكتب لك طلاسم الشفاء في صحن أبيض، بماء الزعفران، ثم يسكب عليه ماء الورد فيذوب الزعفران بالورد بالكتابة ويأمرك أن تشربيه ليشفيك من حمى أصابتك ومن خوف ألمَّ بكِ. واضطربت أمك التي لا تعرف من أين يسكنك الخوف، ومن أين جاءت الحمى إليكِ !
خذي «محوكِ» الآن واكتبيه على صحن روحك، وادخلي طلسمهُ كي يفتح لك طلسم هذا الصباح الغامض. افتحي الكتاب على أي صفحة لتكون حظك هذا اليوم واقرئي:
{كائنات الطبيعة لا تأسى على حالها/‏ ولا تشتكي/‏ إنها لا تستيقظ طوال الليل باكية خطاياها/‏ ليس ثمة حيوان ساخط/‏ ولا مسكون بجنون التملك/‏ ليس ثمة حيوان يركع للآخر/‏ أو لحيوان من فصيلته}.
ها أنت أفضل حالاً الآن.. إذن امضِ في مطالعة حظك:
{أنا موجود كما انا/‏ هذا يكفي/‏ حتى لو لم يعلم بي أي امرئ في العالم فسأجلس راضياً/‏ ولو علم بي كل امرئ وأي امرئ فسأجلس راضياً/‏ ثمة عالم واحد يعلم بي وهو لي العالم الأكبر- إنه نفسي}.
ها روحك تتورد الآن ويسري في أعضائك لهب خفي. إنه طلسم الشعر وسحره الغامض. الماء الذي يوقظ البراعم والأمل. قومي إذن.. انهضي من رمادك وانتشري في الجهات. تخطي الزمن الذي لا يتسع لخطى الروح ومهابة الأحلام وفتنة الإبداع!