ما بعد 11 سبتمبر الأشياء تعيد ترتيبها، وأفكار تتبلور، ومشاعر تتحور، ودول طارت، بعضها استحال إلى قبائل وحبائل، وبعضها صارت طرائق قددا. إنه أشبه بالانفجار الكوني الذي حول هلال الكون إلى أرض تستقبل بناء بأيدي كائناتها.
بعض الأفكار تصنع الحياة وبعضها تحيق وتعيق، وتفعل ما لا يليق، فتستحيل إلى شرارة تعبث في هشيم، واللئيم اللئيم الذي يظن أنه كلما صفق رقصت له أجنحة العصافير. لا يستطيع أحد أن يستعيد ما غاب في أتون التاريخ ولا يستطيع أحد أن يغالط دورة التاريخ حتى وإن اعتنق ما جادت به قريحة سحرة فرعون.
بعد 11 سبتمبر تصاعدت وتيرة الخوف من الموت المتجول، والإحصائية التي تقول إن نصف الأميركيين يعتقدون أن الإسلام دين عنف، تشير إلى لائحة سوداء واحدة منشورة بأسماء الذين ينتمون إلى فكرة الموت للجميع. ولا شك أن للإعلام العالمي دوراً فتاكاً في تأجيج مشاعر كامنة احتاجت فقط من يضع البنزين على النار، ومن بين ظهرانينا، أناس أحبوا أن يلونوا العقيدة السمحاء بلون أحمر قانٍ، وأن يوزعوا أوهام الغيظ على الأمكنة الآمنة، فجاء الطوفان الذي سحق البريء قبل المذنب، وعصف ونسف، والنهاية نحن الذين خسرنا، ونحن الذين صرنا نستجدي الآخر لكي يهبنا صكوك الغفران ويرضى وينسى، وكيف ينسى ولم يزل غراب البين ينعق ويلعق حثالة أوهامه، معتقداً أننا نحن الذين نتحكم باقتصاد العالم، ونحن الذين تملأ سفننا وأقمارنا الفضائية أجواء الكون، ونحن الذين نمتلك آلافاً بأنواعها، الميراج والكونكورد وصواريخ عابرة للقارات وأجهزة البحث عن الغائب التي تمر حتى من تحت الجلد، وما بين الشرايين. أوهامنا وحساباتنا الخطأ قادتنا إلى إنتاج إمارات إسلامية أشبه بمضارب بني عبس تعيش قرون ما قبل حرية الإنسان وما بعد فنائه.
ما بعد 11 سبتمبر يجب أن نعترف بأن الخدع البصرية وأحلام اليقظة لا تنتج حضارات، بل تفرز ثقافات أكثر ما تستطيع أن تفعله هو الهدم والسير إلى العدم بلا ندم، وما بقي من الكلام عن كارثة 11 سبتمبر أعظم لأننا نحن الذين دفعنا وما زلنا ندفع فاتورة حسابات خاسرة وتصرفات جائرة، وأحكام على الآخر من دون جدوى، لأن الذي لا يصنع قوت يومه لا يستطيع أن يغير من وجه العالم، وليس من حقه أن يفكر بذلك. بأوهام الحمق ضاعت قيم الإسلام وأوطانه وشعوبه، فمن لا يقتنع بتلاقح الحضارات ومكانتها، فلا بد أن يصطدم بأفكار من هم أشد منه تعنتاً وتزمتاً، والعالم مليء بالأخطار المؤذية للإنسانية جمعاء، فلا نستطيع العيش بمفردنا على هذه الأرض، فالواحد الأحد هو الله، أما بقية المخلوقات فسمتها التنوع والاختلاف، هذا هو ديدن وجودها وتطورها، وعندما ينتفي التنوع يؤول الكون إلى زوال لأنه لا معنى لوجوده من دون هذا التنوع.


marafea@emi.ae