برد.. والجو بارد، برودة لم تعتدها بلداننا الدافئة، برد غير حال الطقس في عيوننا وجعل للجو لمسة فرح في القلوب.. برد، الحرارة تنخفض، والناس يتسابقون لمعرفة درجتها، يتمنون لو أن مؤشر الحرارة يقف عند الرقم 1 أو 2، يودون اشتداد البرد ليهربوا للدفء. رأينا الملابس الشتوية التي لم نرها منذ العام الماضي، عرفنا ملمس الصوف، وثقل المخمل، تلمسنا الأنوف الباردة والأيادي الباحثة عن حرارة تخبئها الجيوب، والأقدام التي تدثرت بالجوارب والأحذية المغلقة. يحل الجو البارد ضيفا مرحبا به، فيه تحلو النزهات والجولات، «الكشتة» الشتائية، ورحلات الناس إلى البر الجميل، المخيمات التي أصبحت ظاهرة في الشتاء على التلال الذهبية، والدراجات التي تسعد الفتيان، وتحتاج إلى انتباه الكبار كي لا تتحول إلى كارثة تقتل بهجة الشتاء. حين ألمح الطيور المهاجرة وهي تتجول سعيدة في أبوظبي أشعر أن الشتاء اكتمل، وحين تتناثر بعض الغيمات هنا وهناك، وتراقبهم أمهاتنا بعيون راجية وترتفع الأكف إلى السماء طالبة السقيا والغيث، يصبح للشتاء روح جميلة أخرى يزيدها طعم الزنجبيل الساخن من فوق «الدوّة» أو «الكوار» الذي يحمل الجمر الملتهب فيصبح للشتاء طعم مزاجه زنجبيل. الشتاء الذي لا يستمر طويلا بيننا يعيد صياغة أنفسنا مرة أخرى، هو فرصة للتلاحم مع الأسرة، للاستمتاع مع الصغار، لحفر ذكريات جميلة فوق كثبان الرمل، وتحت شجيرات الغاف المتناثرة في مختلف مناطق الدولة، فرصة لاجتماع أسري صغير على ضوء لهب يشتعل تنشوي فوقه حبات الكستناء وأكواز الذرة اللذيذة. البرد الذي يتندر حوله الشباب، ويغتنمونه فرصة للتجول بالدراجات النارية يحتاج إلى كثير من الوعي منهم، لمعرفة أن الاستمتاع دون انتباه قد يحول الفرحة إلى حزن، ويحيل الضحكة إلى دموع على خدود الأمهات. الانتباه والحذر، الاحتياط عند استعمال الدراجات واللهو بها يجعل الشتاء فصلا للذكريات الجميلة التي تدوم طوال العمر، ومثل ذلك الحذر عند إشعال النيران للتدفئة أو للشواء، الحذر من تركها مشتعلة والحذر من الجلوس القريب جدا منها. في البيوت هناك خطر المدفأة، حتى لو كانت كهربائية، مدافئ الفحم التقليدية قد تنتج شررا يحرق السجادة فالستارة فالبيت كله، بخلاف أنها مكشوفة وتسبب أذى مباشرا للصغار وتكون مصدرا لثاني أكسيد الكربون الذي يسبب الاختناق حتى الموت. أما مدافئ الكهرباء المختلفة، فيمكن أيضا أن تتسبب بحروق جسيمة، خاصة لو كان في البيت طفل يتعلم المشي، يغريه النور فيحاول الوصول إليه، بخلاف أن النظر المباشر إليها يتعب العيون. كل تقنيات التدفئة المختلفة تسبب أضرارا ما لم يقترن استعمالها بكثير من الوعي والانتباه والحرص، كل المتع الشتائية قد تكون مميتة أو ذات أثار تدوم طوال العمر، لذا فالتنبه أثناء تشغيلها واستعمالها يجنب الكثير من المآسي ويحفظ ذكريات الشتاء البارد جميلة ورائقة في القلوب. فتحية البلوشي