يسعى الفن التشكيلي بعد القرن العشرين، نحو الحقيقة الفكرية في عملية الإنتاج، أي نحو الإبداع والتبسيط، وبذلك لم يبتعد الفن عن الحقيقة الموضوعية، ولكن دمج الحقيقة الفكرية مع الحقيقة الموضوعية، ليخرج لنا عمل فني، نابع من الداخل نحو الخارج، أي لم يجعل العمل الفني يتمركز نحو تصوير الخارج فقط. من الفنون التي تسعى نحو الحقيقة الفكرية، والتي نطلق عليها ما بعد الحداثة، الفن الفقير أو المتقشف (المتصحر) فن الأداء، فن المحيط والبيئة، الأعمال المركبة أو الإنشاءات، فن الجسد، الفن الشعبي أو الجماهيري، فن الفيديو وغيرها من الفنون التي تسعى نحو الحقيقة الفكرية، هذه الفنون تتحدث بلغة الداخل نحو الخارج، أي أن الدكتور محمد يوسف عندما ينحت أخشاب الأشجار، على هيئة دوائر، فإنه ينظر إليها من الداخل، على أنها موج البحر، أو حتى قطيع غنم يرعاه، والذي دفعه نحو هذا التصور، هو الحنين، ولكن لا نستطيع أن نقول للماضي، بل للحظات مخزنة في الذاكرة، ولأشخاص أصبحت صفاتهم وأخلاقهم، من النوادر في عصر النهضة. الفنان دائم البحث عن الداخل، فهو يتساءل عن لحظة فراق الروح عن الجسد، وهو مدرك أن هذا الجسد مؤقت، هذه الحقيقة الكونية، تجر الفنان نحو البحث عن الحقيقة الفكرية، وهذه الحقيقة لا يمكن إدراكها عبر الخارج فقط، قد يتحقق الإدراك عندما تعبر بصيرة الفنان إلى الخارج وإلى الداخل، أي بدمج الحقيقة الموضوعيـة مع الحقيقـة الفكريـة، ممـا جعل الفـن يتجه نحو تيارات ما بعد الحداثة، بوصفها بحوثاً فنيـة تجريبية. تسعى الحقيقة الفكرية نحو دمج الفنون التجريبية، فتجتمع أرواح الفنانين داخل بؤرة العيد الجماعي، حيث يصبح الفن داخل كل بيت، بل يصبح الفن عربة متنقلة، وسط جدران الصمت، تبث الحياة لهذه الجدران، فتخرجها من حالة الصمت، إلى الضحك وقول القصص المبتكرة، وتسمعنا نغمات الشعر الحر. بدأت الحقيقة الفكرية، التي يقوم الفنان المعاصر بتعاطيها، بعد أن تم جمع مجموعة من الأطفال، برسم شخص يجلس على كرسي، كانت الرسوم التي قام برسمها الأطفال مختلفة عن الواقع، حيث تجد أحدهم رسم الرجل واقفاً بينما هو جالس، والآخر رسمه بصورة جانبية وهو غير ذلك، هنا أدرك الفنان المعاصر أن الداخل أي الحقيقة الفكرية، أكثر قدرة على التعبير عن الذات، وتحقيق الإبداع الفني، فتلك الرسومات المغايرة للواقع، هي أفكار تراود هؤلاء الأطفال، هي تساؤلات لا تحتاج إلى أجوبة، بل توقع المشاهد في أحاسيس ومشاعر، بل أعماق هؤلاء الأطفال، فهذا الطفل يسأل الرجل الجالس، “لم أنت جالس ولست بواقف؟”، وآخر يسأل، “لم أنت تنظر للأمام وليس لليمين أو اليسار؟”، وهذا لا ينتظر إجابة، بل هي طبيعة فطرية في هؤلاء الأطفال. science_97@yahoo.com