مساء الرابع من الشهر الجاري تابعت في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية محاضرة للمستشرق التشيكي الدكتور ميلوش مندل عن تأثيرات الحضارة الإسلامية في تاريخ وثقافة وسط أوروبا، وعرج المحاضر ضمن ما عرج الى ظهور متطرف هناك في القرن العاشر تفرغ للافتراء والتخرص على نبينا الكريم ''محمد صلى الله عليه وسلم'' ودين الحق الذي جاء به· وكنت قد جئت للمحاضرة تلاحقني أخبار المتطرف الهولندي جيرت فايلدرس الذي أعد فيلماً يهاجم فيه بوقاحة القرآن الكريم· وذلك قبل الاستفزاز الجديد الذي قامت به 17 صحيفة دنماركية أعادت نشر الرسوم المسيئة لخاتم الأنبياء والمرسلين ''عليه أفضل الصلاة والتسليم''· ومنذ ذلك المدعي في وسط أوروبا وحتى يومنا هذا واقع يكشف ما آلت إليه أمة غير قادرة على تبيان رسالتها والدفاع عن رموزها· ويتجرأون عليها من جديد بإعادة نشر تلك الرسوم باسم التضامن مع حرية التعبير، لأن من رسمها تلقى تهديدات بالقتل، ولا يريدون إدراك حقيقة الإسلام كدين محبة وسلام، يحرم ويدين قتل الأبرياء والآمنين· واليوم يتقدم التحرك والغضب الشعبي قبل الرسمي، ويجتهد في ردة فعله بعيداً عن أنظمة وحكومات على استعداد لسحب سفرائها وإقامة الدنيا إذا ما ظهر معارض لها في إحدى الفضائيات، بزعم أنه أساء الى رمز وطني· وتتحرك في قضية اليوم ببطء واستحياء بعد أسبوع من تجددها· ويشعر المرء بمرارة لحال أمة يزيد تعدادها عن المليار والنصف مليار إنسان عاجزة عن استصدار قرار دولي يجرم الإساءة للرسل والأديان، بينما نجحت فئة صغيرة في دفع العالم لقرار دولي يعاقب من يشكك أو ينكر المحرقة النازية لليهود (الهولوكوست)· إن العقلاء من الجانبين مدعوون إلى كبح جماح المتطرفين في كلا المعسكرين، فالتطرف لا يقود إلا للمزيد من ردات الفعل المتطرفة، والإرهاب لا يتوالد ويتغذى الا مع تراكمات تطرف الطرف الآخر· وعلى هذا الآخر إدراك أن المسألة لا علاقة لها بالحريات وإنما لعب بالنار يحرق كل جهد حقيقي للتقارب والحوار بين الأديان والحضارات الذي يتبناه المعتدلون في المعسكر الإسلامي العربي·