اتئد قليلاً في خطاك إلى القمم. فالمدارج تهشمت بمطارق الضلالة وسيول الدماء، فغطت منابع الخير والأمل والرجاء، وتناسل الرعب في رحاب هذه الأرض التي باركتها رسل السلام منذ عصور انقرضت، ولم تعد سوى ذكرى يحفها الندم، وسوى رجاء يعصره بين فكيه الألم. أين ترجو الصعود من حضيض هذا الزمان الذي رش الوجود والطبيعة والكائنات والحضارات ببراكين الدمار وسيول الدماء. ولم يعد لنا سوى حلم يقف على حافة الانتظار. ولم يعد لنا سوى سقف تهرّأ من زلازل الرعب والتهديد والوعيد. وسوى مفاتيح تهرأت أقفالها، وضيّعت طلاسم الغموض أسرارها. وإذا ما طمحت إلى الارتقاء، ورحت تنقش الأحلام على صخرة باتت تستعصي على نقش الحالمين بحياة تلفها غلائل الإبداع ورموز الأمل، فتريث واقرأ سرائر الوجود الخفية في رحم الحياة، ودوّن نقوشك في خفاء الذاكرة، لئلا ينتبه القابضون على معاول العدم، فيمسحون بالدم سرائر النقش وغاياته. ويحيلون حتى الماء الذي يروي كينونة الطبيعة والأحياء إلى أنهر تفيض بدم الكائنات، وتغرق الرؤيا بأحلام النهوض إلى عتمة فادحة، وتطفئ جمرة التوق الخفي للحب والسلام، وتحيله إلى رماد يرش الفضاء بالهباء والسواد.
من أين أيها الإنسان الحالم ستأتي ببذار الحياة لتزرع هذه الأرض الآيلة للانقراض بالخصب والشجر والخير والتطور والارتقاء، إذا صارت السحب دخاناً يرش الفضاء، والبحار نشيجاً من الأسى والحزن والتأوه والبكاء. انصت إلى الأمواج وهي ترتطم من غضب على صخور، سيجتها طبائع الغنى وشهوة الإثراء، وأحالت شواطئ الجمال التي يغفو عليها الموج إلى نفايات واختلاط لا يفقه حتى البحر أسبابها، وليس له سوى الارتطام بها في سورة من الغضب في مده، والصمت من الحسرة والأسى في جزره.
يا أيها الإنسان أيقظ فطرة الحب في قلبك، وبذرة الخير في نفسك، ويقظة الإبداع في خلاياك. فأنت منذور منذ بدء الخليقة للحب والإبداع والعطاء، فلا تجعل الضلالة وسطوة الأوهام تنخر عمق خلاياك، وتقودك كالأعمى إلى الدمار، وتحيل نبض الخير في روحك إلى شر يدمر ذاتك وكل ما حولك وما تحضنه فطرة أمانيك التي وهبك الله منذ بدء خلقك، وأوصاك أن تنشر السلام، وتزيح الإعتام عن هذا الوجود الرحيب. فلا تجعل من الأعمى الذي أضل الطريق إلى الحب والخير يقود خطوك إلى طرق العنف والظلام. فأنت أنت وليس غيرك أيها الإنسان من سيعيد الوجود كله إلى مشارف الحب والرقي والسلام!