يبدو أنني لا أستطيع الوفاء بميثاق الكتابة لك، كل صباح على ذلك النحو من الاستمرار، مزاجي معكر جراء سهرة البارحة الهذيانية ومع أصدقاء قدموا، من أكثر من مطرح ومكان من هذا العالم. هذا النوع من السهرات ربما يؤدي وظيفة الإفراغ المتعوي السريع، حيث تحتدم الأحاديث والذكريات والنميمة. مركب من غير أشرعة، تدفعه الريح في كل الاتجاهات حتى يتلاشى في المهب العاصف. ولا يتبقى غير مرارة في الحلق ونتائج فاجعية في الجسد والروح. مع مرور الزمن يفقد الواحد منا الاندفاع لمثل هذه الجلسات التفريغية أحياناً، يميل أكثر إلى الهدوء والتركيز في البعد عن الصخب الجماعي، حتى ولو في صوره الأكثر قرباً وحميمية. أنت أيضاً ساهمت في تعكير المزاج، لا كلمة ولا رسالة، ولا من صباح الخير، تطوح بي خارج السرير، بينما الطقس الخماسيني يحتدم في الخارج... غالباً حين استيقظ من النوم، وأحس انه ما زال غير كافٍ ولا بد من اختلاس ساعة أخرى لتعيد اليّ توازن النهار. ولتسهيل المهمة الشاقة لمن يعانون من أرق مزمن، أحاول استدعاء مشهد أثير على المشاعر والروح، والعيش في رياضه الوارفة في غيابها. المشهد دائماً يأتي من الماضي ويحتل حلبة ظلام الغرفة والعيون المغمضة الحالمة، بتلك الوديان الشاسعة المتدفقة، بغزارة الشعاب والأمطار الجارفة بين خط الجبال وأرخبيلات النخيل المستسلم لعصف الريح والمطر. هذا المشهد الذي يشكل أرض النعمة والطفولات المغدورة، هو ما يخدر الحواس اليقظة بحدة، ويجعل اختلاس ساعة نوم جديدة أمراً ممكناً. بعدها يتسلل إلي صوتك الصباحي، ليجعل الحياة أقرب إلى الوعد الجمالي الممكن... “معلق أنت بحلمة سماء قاحلة وفائضة أنا عن ذاتي كطمي خصيب وبين يتم شفتين وانسياب نهر ينسكب السكون في انتظار العاصفة”.