يقول فيكتور هيجو: «نحن نرزح تحت رحمة أفكارنا، هذه الشياطين التي تدوسنا تحت أقدامها». ولأننا عبيد أفكارنا، فإننا نعيش من أجل البقاء، وليس من أجل الحياة، وهذه هي معضلة الوعي البشري عندما تستحوذ عليه فكرة البقاء من دون حياة، فهو العقل المعتم التائه في وسط غليان اللامعنى، واللامعقول، في مسيرته نحو الحضارة، وقد توفي العقل منذ أُخذ إلى مطحنة الصراع الأزلي بين المتناقضات الجدلية، والتي مدت لساناً نارياً، التهمت به الوعي البشري، ما جعله مجرد مطية لأفكاره المشوشة، ورغباته الطائشة، وحماسه اللامبرر، باتجاه حياة ناقصة، يشوبها أمل مبالغ فيه في التخلص من الماضي، حيث الماضي شكل عقدة أوديبية بالنسبة للإنسان، هذه العقدة التي وضعته في فوهة البركان، فهو إما يختزن في الوعي براثن القديم، أو أنه يغتال ذلك الوحش المتربص بكينونته، ويمضي إلى المستقبل، خاوي الوفاض من نقاط سوداء، هي من أثر الخنوع لفكرة «أنه يجب أن يبقى برغم أهوال الطبيعة إلى جانب صراع الإنسان مع الإنسان»، ولكن كل هذه الإرهاصات من تجد في إخراج مسلسل حياة خالٍ من الأمراض والعلل، حيث وجد الإنسان نفسه أمام عقبة كأداء، وبحر عميق لا يمكن تجاوز أمواجه الهائجة، لكون الإنسان لم يزل في طور النشوء، ولأن البقاء فكرة حمقاء، أودت بحياة أسس وثوابت فطرية، فإن العيش الذي كان يجب أن يكون في المحصلة النهائية هو الهدف الأسمى، أصبح في مهب الريح، وأصبح الإنسان كائناً وهمياً تقوده آلة صماء، وأصبح المصير معلقاً بيد مجهول، وعلى الرغم من أن الإنسان راوغ وناور، وأَسْبَغ الكثير من الحجج على مسعاه نحو البقاء، إلا أن التاريخ أثبت أن كل مسعى خارج أطر الحياة يصبح عشوائياً، ومدمراً، لأنه ما من كائن على وجه الأرض إلا وهو مدفوع بفعل الحياة، حتى وإن كان البقاء موجوداً في لُب كل مسعى للحياة، فهو في نهاية الأمر جزء من الحياة وليس كلاً، وحتى تصبح الحياة مضيئة بمصابيح الفرح لابد وأن تكون هي الهدف الأسمى، ويبقى البقاء وقود الماكينة، وليس الماكينة في حد ذاتها.
نحن محتاجون إلى سلامة الوعي، كي نحقق هدف الحياة. نحن محتاجون إلى الحياة كي نحقق معنى لحضارتنا، ونملأ الوجود بفعل إيجابي يحمي أُمنا الأرض من الحمقى.