الاعتداء على الطفولة، اعتداء على الإنسانية، واستيلاء على الضمير الإنساني، واغتصاب مريع للقيم والأعراف. عندما يُقدِم وحش بشري على اغتصاب طفلة والسطو على براءتها، فلابد من البحث عن الخلل.. الخلل في التوازن الاجتماعي وما طرأ على المجتمع من تغيرات وتحولات أبادت الكثير من المعاني، وقضت على الكثير من رفيع الأخلاق. فقد يعاقب الجناة، وقد يحبسوا، ويجلدوا، ويعدموا، ولكن تبقى الأسباب الكامنة راسخة الجذور ولا ينفع معها معالجة الأعراض، فيجب أن نعترف أن ما يحصل للأطفال، وما يلاقونه من جرائم مرعبة، أسباب متشابكة، وتشترك فيها جهات كثيرة، الأمر الذي يفرض علينا البحث عن طرق علاج جذرية، تتقصى الحقائق، وتبحث عن الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى مثل هذه الجرائم النكراء. مجتمعنا غرف من معين المحيطات والبحار والقارات أطناناً من الأجساد البشرية التي صارت وبالاً وثقلاً لا يحتمل على الأرض، وليس على نفوس أهل الأرض فحسب، ودخلت في هذا المجتمع وتوغلت في نسيجه ألوان وأشجان من ثقافات وسخافات غريبة ومريبة، ولا نستطيع هنا أن نحمل جهة معينة ونغفل جهات، فالمسؤولية تقع على عاتق كل فرد من أفراد المجتمع، بدءاً من الأسرة التي تخلخلت وتركت الأبواب مفتوحة على مصاريعها لكل شاردة وواردة، ثم المدارس التي أصبحت كانتونات مغلقة لا يعلم إلا الله ما يجري بداخلها. هذه المدارس اتسعت أحداق أصحابها باتجاه الربح السريع، والعمالة الأرخص، غاضة النظر عن تبعات ما يجلبه هذا اللهاث المادي في غياب الوعي بأهمية الحفاظ على أرواح وأعراض البشر الذين يعيشون بين جدران مدارسهم، ثم نأتي الى الشركات الكبرى منها والصغرى، التي جلبت ما جلبت من مآسي العمالة متدنية الثقافة، رخيصة الأجر، ما جعل الإناء يفيض بالحثالة ونذالة الأخلاق التي تمارس يومياً في الزوايا الخلفية، وفي عتمة الأماكن المنسية. حقيقة لسنا بصدد توجيه الاتهام لجهة بحد ذاتها، لكن ما يحصل من جرائم كارثية هي نتيجة هذا الخلل، في التعاطي مع ما نستورده من طاقات بشرية، وهي في الحقيقة طاقات بائسة عابسة، لا تدر في أغلب الأحيان إلا أمطاراً حمضية تهلك الحرث والنسل. لذلك فإن الحديث عن جرائم الاغتصاب الخاصة بالصغار يجب أن يلتفت إليها كل من بيده قرار تقييمها وتقويمها، وأن يتم وضع حد لهذه السيول الجارفة، فلا فائدة من جلب المرض، ومن ثم القيام بمكافحته بالأدوية، ولا فائدة من تعريض الجسد الاجتماعي للأمراض ثم نبحث عن العلاج. الوقاية هي الوسيلة الناجعة والناجحة والقاصمة لكل داء ووباء. ولن تفيد البحوث النفسية والاجتماعية مهما بذلت من جهد طالما بقي الرأس محسوراً يتلقى الضربات من كل حدب وصوب.. والله المستعان.


marafea@emi.ae