«رابعة العدوية التي قالت.. من فرط حبي لله لم يبق مجال في قلبي لكره الشيطان» وكأن في هذا المكان، الاسم على المسمى، فالتطرف بائن وشائن وكائن يمشي على الأرض، بأقدام حافية، مدمية بأهواء الذين ساروا على غير هدى، يخطفون الحقائق ويخنقون الواقع، ويتجاوزون الثوابت، ويحتلون الدين كوسيلة وغاية في النفوس أصبحت الآن واضحة وجلية لا غبار عليها ولا شعار يستطيع أن يخفيها.. ما يجري في مصر، مرعب إلى حد التهشيم، ولا يكفي أبداً طرد الشيطان من ميدان القلب، بل يجب أن تمضي قوافل الحقيقة باتجاه، التطعيم وحقن الوجدان المصري بأمصال تحميه من العفوية ومن تصديق ما يفرش له من وسائد مخملية في جوفها أشواك تدمي القلب وتدمر العقيدة السمحة.. فالاعتصام الذي حل في ميدان رابعة العدوية والنهضة ينبغي أن يكون درساً وافياً كافياً لمن يهمه أمر مصر، ومستقبل مصر، وتاريخها وحضارتها العريقة.. فالذين جاؤوا بالديمقراطية أرادوها ديكتاتورية فجّة ومقيتة، فبعد الكلام والإعلام المدجن بأساليب فورانية عتيدة، تغيرت الحال وكشفت الضواري عن أنياب حادة، مزقت وفرقت وأججت ورجت الأرض رجاً، لأن هذه الضواري، هي الجماعة التي بنت أفكارها على وهم اعتقدت أنه اليقين فلا مجال للمناقشة، أو حتى فتح الأفواه، لأن في ذلك مخالفة لمسلمات ترسخت في الأذهان، حتى صارت جزءاً من كريات الدم.
ما يجري في مصر، ليس فرحة، وإنما هو الأمر الجلل، فإن ترك الحبل على الغارب، يجعل الهارب الوحيد من بين أصابع اليد هو هذا الوطن الذي أصبح رهينة لأفكار لا تمت بصلة إلى واقع مصر العروبة، وتاريخها الممتد على سجادة فسيفسائية ملونة بألوان الثقافات المتعددة.. مصر اليوم بحاجة إلى أكثر من حالة الطوارئ، فهي بحاجة إلى إعادة ترتيب الوجدان المصري الذي لعبت به رياح الاتجاه الواحد والحاد، ما جعل التاريخ يتوارى ويطوي سجله وكأنه لم يكن لأن هذه الجماعة، هذه الفئة أرادت لمصر أن تعيد طائرة مخطوفة لا يدري قبطانها وركابها إلى أين يتوقف بها المسير، ولأن هذه الجماعة لها أجندة واحدة لا غير، ألا وهي السلطة وفرض الأمر الواقع على كل شرائح المجتمع المصري، فمن يحرق كنيسة، أو مكتبة، أو يهاجم مركزاً للشرطة، لا يمكن أن يمتلك أي أداة من أدوات الديمقراطية لأنه لا يؤمن بها ولا يحترمها، وفي النهاية لا يحترم سيادة وطنه، ولا يضع أي اعتبار للمواطن المصري، الذي يراقب المشهد الدموي بذهول، ولا يملك إلا الدعاء بأن تنجلي الغمّة، ويتحرر الوطن من سطوة المتزمتين والساعين إلى بسط النفوذ بقوّة الحيلة والخديعة.. ومن لا يملك الحكمة لا يستحق أن يحكم.


Uae88999@gmail.com