نملك في الدولة أقوى إجراءات احترازية لمنع اندلاع الحرائق بالمباني والمنشآت، وتقوم الجهات الحكومية ممثلة في البلديات بالتعاون والتنسيق الكاملين مع إدارة الدفاع المدني بوضع شروط صارمة وإجراءات معقدة قبل منح تراخيص البناء لأي منشأة أو عقار أو مبنى أو مسكن أو حتى سور؛ وذلك لضمان سلامة المباني والمجتمع والأسر التي تسكن المباني والمنشآت المعمارية هذه؛ ولتحافظ تلك الجهات على أرواحنا وممتلكاتنا، ونكون على الدوام بسلامٍ وأمانٍ وطمأنينة، ونملك مقاومة كبيرة للحرائق والصواعق متى ما حدثت.
واستخراج موافقة بناء من شروطه الأساسية اعتماد إدارة الدفاع المدني التي تدقق وتحسب كل شيء بـ”المايكرو”، بدءاً من التوصيلات الكهربائية، والأحمال، ومنافذ التهوية، والمصاعد: طولها وعرضها وموقعها، ومخارج الطوارئ، ومخارج غير الطوارئ، إلى أن ينال صاحب المعاملة الموافقة والرخصة.
كما نملك أقوى وأسرع إدارة دفاع مدني بالمنطقة والعالم، فسرعتها في الاستجابة لنداء الحالات الطارئة تنافس سرعة البرق، ومعدل وصولها يتراوح بين ثلاث وست دقائق فقط، فهي عيننا التي لا تنام، وحامية أملاكنا وممتلكاتنا لوقايتها من الحريق وشره، وأفرادها البواسل على أهبة الاستعداد دائماً وأبداً لتلبية النداء والانطلاق فوراً لإخماد أي حريق حتى قبل أن يشتعل، فهم الجنود المخلصون البواسل، وتملك الإدارة شبكة متطورة من الآليات والمعدات التي وضعت تحت إمرتهم وفي خدمتهم، والقادرة على صعود وبلوغ أعلى المباني وأضيق الأماكن، ولديها من الكفاءة ما يشهد لها به العالم، كما تستخدم الإدارة أحدث مواد الإطفاء من “الرغوات” والمواد المركبة الأخرى القادرة على إخماد وإطفاء أكبر الحرائق وأشدها سعيراً.
كما أن شبكة طرقنا الداخلية والخارجية هي الأحدث على مستوى العالم، والأكفأ والأقدر على تسهيل مرور مركبات الطوارئ لنجدة الملهوف وبلوغ الهدف بأقصر الطرق وأسرعها، وقد سخرت كل إمكانات الطرق وإشاراتها لخدمة المسعفين المنقذين والمستعجلين لنجدة المنكوبين.
ولكن ذلك كله، لم يفد في إنقاذ الأم وبناتها الثلاث وخادمتيها في حمايتهن من حريق شب بمسكنهن، ليأتي على الأخضر واليابس ويحصد أرواحهن الست دفعة واحدة، والمسكن حديث يفترض أنه تم تشييده وفق معاييرنا المشددة والصارمة، كما لم تفلح نجدة الأم واستغاثتها برجال الإطفاء، الذين لم يتمكنوا من تحديد مكان المكالمة، فتاهوا في المنطقة إلى أن استدلوا على المكان من الدخان المتصاعد، بعد أن قضى الحريق على حياة الأم وبناتها الثلاث وخادمتيها، وكل ذلك حدث في ست دقائق فقط من اتصال الأم، وحتى وصول رجال الدفاع المدني لموقع الكارثة.
وهنا من حقنا أن نتساءل: من المسؤول عن تلك المأساة وغيرها من الحرائق التي تندلع بين فينة وأخرى وفي كل إمارات الدولة، دون تمييز إمارة عن أخرى؟ فالمشكلات والهموم واحدة، والخسائر كبيرة، خاصة عندما تكون في الأرواح.. فكيف لنا أن نستوعب عدم امتلاك إدارة الدفاع المدني خريطة دقيقة لأماكن الهواتف الثابتة، ونحن في عصر يمكن أن يحدد فيه مكان الهاتف المتحرك!


m.eisa@alittihad.ae