يقول علماء السلوك والمهتمون بعلوم الاتصال إن الجيل الحالي من الأطفال والمراهقين لديهم نقص كبير في قدراتهم التواصلية مع محيطهم، فهم يعيشون في عوالم خاصة بهم وكأنهم غائبون عن الوعي العام إن جاز لنا التعبير، والغريب أن طلاب كليات وأقسام الإعلام وعلوم الاتصال الذين يفترض بهم أن يكونوا على اتصال وتماس مستمرين بكل ما يحدث في محيطهم وفي العالم من حولهم يعانون من المشكلة ذاتها، فلا تجدهم يعرفون ما يحدث حولهم، حتى ما يحصل في مجتمعهم بـ”الكاد” يلمون به لأن متطلبات دروسهم في تخصص الصحافة مثلاً تحرضهم على ذلك وفي هذا الواقع خلل ومشكل كبير جداً! إن مراهقي اليوم هم امتداد لأطفال العقد الماضي الذين ارتبطوا بألعاب البلاي استيشن ونحوها، تلك الألعاب التي لم تكن تفارق أيديهم أبدا، في البيت، في السوق، وهم يتجولون مع آبائهم في الحديقة، أو وهم يجلسون في صالة الانتظار عند طبيب الأسنان، أو في الطائرة ، وللأسف فإن هذا السلوك الذي كان يمر مرور الكرام أمام أعين الوالدين كان في حقيقة الأمر يعبر عن أزمة علاقة حقيقية بين هذا الطفل ومحيطه، وعندما كبر هذا الطفل ارتبط بوسائل اتصال أخرى بالدرجة نفسها، بالهاتف المتحرك، ثم بجهاز الكمبيوتر والتلفزيون واليوم ها هو جيل الـ”بلاك بيري” يعبر أصدق تعبير عن أزمة العلاقات الاجتماعية التي تجتاح المجتمعات العربية كافة ومجتمع الإمارات بكل وضوح. إن جيل الـ”بلاك بيري” من أطفال الإمارات اليوم هو جيل الوسائط الإعلامية بامتياز، وهو جيل تكنولوجيا الإعلام المتطور، وثورة الاتصال في مراحلها المتقدمة حالياً، لكنه أيضاً الجيل الذي يعيش وسط مجتمع ما زال في أعماقه محافظاً بالمعنى التقليدي للمفردة، وبالمعنى البنيوي للمصطلح، ما زال هذا المجتمع يهتم بعلاقاته الاجتماعية والأسرية والقبائلية والعشائرية، وينسج حياته على أساس ترابطات وتداخلات هذه العلاقات، وأن أي خلل فيها يؤثر حتماً على النسق الاجتماعي الذي يربط أفراد الأسرة والحي والعائلة، ولذلك فإن ترك الطفل منسجماً مع جهاز الـ”بلاك بيري” كما نلاحظ اليوم في الأسر الصغيرة سينعكس حتماً في بنية وطبيعة العلاقات والعادات معاً وسيخلط أوراق الثقافة الاجتماعية الجيدة التي تميز مجتمع الإمارات في غير صالح هذا المجتمع. إن استمرار هذا الاستلاب من قبل أطفال اليوم وبهذا الشكل الكبير مع صمت الآباء والأمهات وعدم توجيه الأبناء بشكل أو بآخر لتعديل سلوكهم، سيولد مجموعة من الأفراد لا تندمج مع محيطها ولا تعترف به ولا تقيم وزناً لخصائص هذا المحيط، مجموعة أو جيل تؤمن بالفردية كما هي في المجتمعات الرأسمالية، وسينتهي بنا الأمر إلى أجيال لا تؤمن إلا باحتياجاتها وحريتها وفرديتها ومطالبها، ومن بعد ذلك الطوفان، فلا شيء يهم فيما بعد لأنهم خلال فترة تأسيس المشاعر والتفاعل مع المحيط تم تغييبهم عن ذلك كله أو غيبوا أنفسهم مع أجهزتهم التي لا تفارق أيديهم ما خلق حالة من الاغتراب عن المحيط وحالة من عدم التفاعل عاطفياً معه بل والأخطر أن العلاقات أصبحت افتراضية وليست مباشرة تتم عبر الرسائل الهاتفية القصيرة لتوفير المال وعبر البريد الإلكتروني لتوفير الوقت...!!!