لماذا نتوقف عن الشعور بالبهجة؟ لماذا تصبح الأشياء التي كانت تسعدنا مجرد أشياء عادية لا تعني لنا شيئاً؟ هل تتغير الأشياء أم نتغير نحن؟ هل نصبح أكثر طمعاً في أشياء أكثر؟ أم أكثر مللاً من أن نقدر قيمة الأشياء المعتادة؟ ماذا يحصل لنا مع الزمن؟ كيف تتغير خريطتنا النفسية؟ لماذا كل هذه الوجوه التي تسير بملامح جامدة وكأنها خاصمت الابتسامة الحقيقة منذ زمن. الابتسامة الحقيقة التي تختلف عن تلك التي يرتديها المرء مجاملة وذوقاً للآخرين، الابتسامة التي تخرج من القلب فيشرق بها الوجه، أين ذهبت؟ من المهم أن نتوقف لنحاول الفهم. لن يساعدنا شيء من الخارج، على كل فرد أن يحاول إيجاد أسباب انعدام إحساسه بالبهجة بنفسه. يقول البعض إنه اكتئاب الشتاء وتغير الفصول، ويحيل البعض الأمر إلى كثرة الأعباء والمسؤوليات التي يرزح تحت ثقلها كاهل الفرد، ويقول آخر إنها الآمال الكبيرة التي رسمناها ثم رحنا في طرق بعيدة عنها فظلّت هناك في أعماق النفس تذكرنا فقط بالشخص الذي لم نتمكن من أن نكونه؛ وهذا يجعل الإنسان يحيا وكأنه يعيش حياة غيره. ولكن، أين المفاهيم القديمة التي كانت تتكئ عليها الأرواح؟ أين الرضا والقناعة والتسليم؟ ثم أين روح التفاؤل والأمل واليقين؟ أجد البهجة مجرد استعداد نفسي لتقبل مؤشرات السعادة. حين تكون مستعداً نفسياً لأن تستمتع بالأشياء فكل الأشياء تصبح قابلة لأن تكون مصدر بهجة، لا يهم إن كانت هي ذاتها الأشياء القديمة المعتادة أو أشياء صغيرة جداً كقالب حلوى أو نكهة شاي أو بخار يخرج من فنجان قهوة في صباح بارد، الحكاية ليست في الأشياء، إنما في استعدادك النفسي لاستقبالها. فما الذي يجعلنا مع الزمن، في مرحلة ما، نفقد هذا الاستعداد النفسي أو نكاد؟ أتصور أنه تراكم التوقعات الكثيرة غير المتحققة، في كل يوم نستيقظ فيه نبني توقعات ما من اليوم، توقعات بخصوص العمل: الترقيات والتكريم والإشادة بالإنجاز، توقعات بخصوص الصداقة: الولاء والوفاء والإيثار والصراحة والوضوح، توقعات من الشريك: المحبة والتواجد والالتزام والإخلاص والدعم. توقعات من الذات: الالتزام بإيفاء الوعود وإنجاز الأهداف والسعي لتحقيق خطط التطوير الذاتي لإنجاز الأحلام والتوقعات من الذات. كلها أبواب توقعات كثيرة قد يتحقق بعضها ولكن كثيراً ما يصيبنا الإحباط من عدم تحقق أكثرها خصوصاً تلك المتعلقة بالآخرين. تبقى هذه التوقعات غير المتحققة مثل أبواب مواربة؛ لا هي مغلقة فنستريح ولا هي مفتوحة فنفرح. لا حل سوى بإغلاق تلك الأبواب وتنظيف مسامات الروح ليتخللها هواء الصبح النظيف فتعرف كيف تقدّر قيمة الفجر وتبتهج من جديد.