تدخل جامع الشيخ زايد الكبير، تسير على الرخام الأبيض، يستقبلك شبان الوطن المتوشحين بالبياض، ويلفت انتباهك الجهد المبذول من أجل استدامة المسجد ونظافته وتنظيمه وترتيبه، يرشدك أولئك الشبان حتى تدلف إلى قاعة الصلاة، تقف مشدوها مذهولا لذلك المشهد المهيب لكثرة أعداد المصلين، تنتابك قشعريرة يرتعش لها جسدك، تشعر بنوع من القداسة والسكينة والهيبة، وتشعر برهبة تسري في ثنايا الجسد، يهزك صوت الإمام المهيب وهو يدعو الناس لرص الصفوف. صوت الإمام الشجي يبعث في النفس الخشوع وهو يرتل القرآن الكريم، تشعر بسكينة تسري في خلايا الجسد ويطمئن قلبك، بل وتشعر بهدوء وسلام داخلي قلما تجده وسط أنواء حياتك المضطربة، تهدأ روحك وتستكين وتشعر بإيمان عميق، وفي تلك اللحظة يداهمك شعور بلوم الذات على التقصير المزمن في الصلاة وفي قراءة القرآن، وقبل أن تمارس جلد الذات توقن بأن الله غفور رحيم، فتلجأ إليه متضرعا طالبا الصفح والمغفرة، وتنصت خاشعا فأنت تقف بين يدي الله العلي العظيم، وصوت الإمام يزيد في النفس الشجون وهو يدعو بذلك القنوت الرباني الذي يصل إلى السماء. يتهدج صوت الإمام وهو يدعو للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد طيب الله ثراه، فتختنق بالعبرات، تصمت، تتسارع ضربات قلبك، وتهتز أركان المسجد الكبير كلما قالت جموع المصلين: آمين. تتحرك المهجة والوجدان والشوق إلى ذلك الساكن في اللحد على يمين المسجد الكبير، فتخرج من المسجد، تتعثر أمام الحشود التي جاءت من داخل وخارج المدينة لأداء الصلاة، تتجه جهة الشمال حيث يقبع قبر المغفور له بإذن الله، تقرأ ما تيسر من القرآن وتدعو الله أن يجزيه خير الجزاء وأن يحسن إليه كما أحسن لشعبه ووطنه. تطفر دمعة حبيسة، أي حب ذاك وأي وفاء بل وأي ولاء خالد، ثماني سنوات مضت ولازال الشعب يبكيه، ويدعو له ولخليفته ولذريته، إنه الولاء المطلق لهذه الأرض، لهذا الوطن ولهذه القيادة الرشيدة، إنها قصة وطن وشعب، توقن بأنه الحب الإلهي، فإذا أحب الله عبدا نشر حبه في قلوب خلقه، لأنه أحب شعبه حتى أحبه العالم بأسره، إنه الخلود الأبدي الذي قد يبحث عنه كل البشر، وقلة منهم على مر العصور قد يجدونه، لأنه خلود في قلوب الناس ووجدانهم وفي ذاكرتهم وذاكرة أوطانهم، خلود محفور على جدار الزمن في تاريخ هذه الأمة، خلود كان نتيجة للعمل الصالح وللعطاء بلا حدود وحكمة وعدل لم تعرفهما الدنيا منذ عصور. سعيد البادي | rahal ae@gmail.com