تمكَّنت مني تماماً هذه المدينة، تأتي مثل الحلم كلما اشتد حر الصحراء، وأثمرت النخيل، تتنازعني فكرة الجلوس قرب نخلتي المحملة بالرطب وليس بعيداً عن البحر، ولكن منذ أن عرفتها وعرفت النهر وأنا أنقاد إلى الماء مثل طائر أزرق ممزوج بالأخضر والأصفر والأبيض. طيور الغابات والأشجار العالية هناك رائعة الجمال مثل طبيعة هذه المدينة. كل شيء هنا يبتسم ويعيش بهدوء عجيب، تشرق الشمس مثل زهرة حمراء ثم تتحول سريعاً إلى وردة صفراء ثم بيضاء حنونة ودافئة تمدك بالطاقة والنشاط والحبور. عكس شمس الصحراء في الأيام القايظة، حيث تشوي جلدك وتلاحقك سياطها مثل كرباج، حتى وإن اخترت ظله فإنها تتحالف مع الهواء الساخن والذي يتوقف دائماً عن الهبوب حتى يؤدبك الحر الشديد وينتصر عليك كرباج الصحراء، تماماً مثل سائر الأمور الصحراوية!! لتتعلم الخضوع والهدوء والسكينة وتبحث عن ظل تنام تحته نومة أهل الكهف، ولا تفكر في شيء غير كيف أن تتجنب غضب الحر وقسوة الصحراء وإلا ساقت عليك غيظها وحرها وشمسها الحارقة!! بعيداً عن هذه القسوة، ينطلق النهر سابحاً برفق حاملاً معه الأغصان الخضراء والأزهار التي تتفتح فوق الماء. وبقارب صغير أو حتى فوق جذوع شجر ربطت مع بعضها تستطيع أن تذهب في رحلة نهرية مسافات طويلة تعبر متعرجات نهرية عبر الغابات والطبيعة الرائعة لتصل إلى حيث يعانق الماء المسطحات العشبية الخضراء تجلس وحدك والغابة وطيورها وفراشاتها وتنشد للماء والحياة الهادئة قصيدتك الحالمة. تغني للمدينة، للزهرة، للحبيبة البعيدة، وللمعشوقة الجديدة، أيا كانت، امرأة أو زهرة أو نجمة أو غابة نائية وبعيدة عن ضجيج المدينة. في المساء تستطيع أن تنطلق ممتطياً عربة التوكتك التايلندية الرائعة لتتمتع بالمساءات النائمة، عبر الشوارع الخالية من الزحام، تعانق النسمة العليا الآتية من غابات تشانغ ماي وتسبح تحت المطر الناعم اللذيذ الذي يهطل مثل عزف موسيقى حالمة ورائعة تحمله ألوان الأنوار الملونة إلى عشاق الحياة والمدينة والليل. سوف تصاحبك زقزقات العصافير وضحكات حوريات النهر اللاتي يسعدهن أن يعرف الإنسان الفرح والحبور والجمال وأن يعانق سناء الفجر، وأن تغرس في صدرك وكيانك شمس الشرق روح الحرية والانفلات من الظلام والخضوع لحرارة الصحراء وما يتبعها من أوامر وقيود، حتى على أن تغني أو تعزف لحن الحرية والاختلاف، لو حتى في عارضة الدروب. جرِّب أن تقول في الصحراء رأياً مختلفاً أو غناء مختلفاً أو أفكرة مختلفة وانتظر... هنا تصرخ فيك المدينة تعالَ لتُغني، لنختلف معك حتى نعرف طريق الحب والجمال. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com