كنت قد اتخذت قرارا قبل شهر رمضان المبارك بألا أتابع أيًّا من المسلسلات التي تتسابق في عرضها قنواتنا الفضائية المحلية والخليجية والعربية في الشهر الفضيل، كموسم من مواسم انتعاش الشاشة الفضية وصعود نجوم وهبوط آخرين وارتفاع أرباح منتجين وصدمة آخرين. وفي الحقيقة، لست ضد هذا النوع من المتعة، ولكن تجنبا لحرقة الدم وتلف الأعصاب وهروبا من البرمجة العصبية السلبية التي تصدرها الدراما المتخثرة في عقول كتاب ومخرجي هذه المسلسلات، التي كما علمت من أحد أصدقائي بأن عدداً منها بدأت حلقاتها الأولى بنسق درامي عال. والسبب الثاني الذي منعني من متابعة المسلسلات هو أنني من الذين يؤمنون بأن رمضان هو شهر القرآن وهدأة النفس ومراجعتها ومناسبة لتغيير العادات والسلوكيات الخاطئة التي عشعشت في العقول والنفوس وآن الأوان لتغييرها. لست ضد كل المسلسلات التي تعرض في رمضان فهناك الجيد والمتميز منها والذي يناقش قضايا مهمة في المجتمع ويطرحها بأسلوب مميز، ولكني ضد العشوائية في اختيار المسلسل وعرضه على شاشاتنا بمجرد وجود اسم معروف من الفنانين دون معاينة المضمون واختيار ما يناسبنا لعرضه، كنت قد قرأت خبرا نشرته الصحف المحلية بأن مجموع الساعات التي ستقدم من مسلسلات هذا العام في اليوم الواحد وصل إلى 90 ساعة يوميا بزيادة 30 ساعة عن رمضان العام السابق، وهنا أحب أن أذكر الجميع من عشاق المسلسلات بأن اليوم الواحد 24 ساعة فقط ما يعني بأن الشخص يحتاج إلى ثلاثة أيام و18 ساعة لمشاهدة الحلقات التي تعرض في اليوم الواحد على مختلف القنوات وهذا في رأي قمة الفوضوية، فما بين مسلسلات محلية وأخرى خليجية ومصرية وسورية وبرامج منوعات وحوارات ولقاءات ومقالب، ودورة الألعاب الأولمبية يجد المرء نفسه في حاجة إلى سنوات لمتابعة هذه المائدة الرمضانية التي لم تترك ولو ساعات قليلة لمجرد التأمل. بات التسابق محموما بين المنتجين والمعلنين، بل بين الممثلين بعضهم البعض ودخل نجوم السينما هذا العام في السباق وكأن الناس لا تشاهد إلا في رمضان. والسؤال الذي يقفز بقوة أين هو رمضان من كل ما نتابعه من منافسات؟ إن متابعة التلفزيون خلال رمضان يستوجب ألا تخرج من بيتك وألا ترد على أسئلة أطفالك، فقط عليك أن تأتي بخريطة البرامج والمسلسلات وتوقيتاتها وتعرضها أمامك وتنتقل "بالريموت كنترول" بين القنوات، ووسط هذا ستفاجأ بأن المساحة الزمنية الممنوحة للإعلانات تفوق مساحة المسلسلات والبرامج ما يستوجب أيضا إعداد قوائم بالسلع التي يتم الإعلان عنها والاستفادة من العروض التي تقدمها ودون أن ندري فقد حول المنتجون والمعلنون والممثلون الشهر الكريم إلى مناسبة لجني الأرباح على حساب عباد الله الصائمين، وكأن رمضان الذي أطل منذ أكثر من 14 قرنا هو شهر القرآن قد تحول في زمننا الحالي وفي نظر هؤلاء التجار إلى شهر المسلسلات. والسؤال أين رمضان الذي أنزل فيه القرآن؟