هل ثمة حرب إزاحة وإمالة ثم إلغاء بين وسائل الإعلام التقليدية، ووسائل التواصل الاجتماعي الذكية؟ وسائل الإعلام التقليدية حينما ظهرت لأول مرة، وجدت ردة فعل غريبة من الناس، وهي تكذيبها وعدم الوثوق بكلامها، لكنها مع الوقت فرضت هذه الوسيلة أو تلك مصداقيتها، وثبتت حضورها حتى أصبح كلامها مصدراً للثقة، الراديو هكذا بدأ، ووصل بالناس لدرجة تأثيمه وتكفيره ومحاربته بشتى الوسائل، مستخدمين نصوصاً دينية حينما تطلب الأمر، ثم غدا الناطق الذي لا يأتي إلا بالصدق والخبر اليقين، ولم يعد الناس قادرين على الاستغناء عنه، والسينما بدأت تهريجاً وتسلية، وأصبحت من الأمور الملعونة والممنوعة، حتى أصبحت اليوم من أكثر الوسائل تأثيراً في نفوس البشر بطريقة خفية وسلسة وغير مفضوحة، التلفزيون والصحف المكتوبة زعزعا الراديو من عالي مكانه، وأصبحت الصحف حديث الصباح وثرثرة المتقاعدين والجالسين على مقاهي الأرصفة والموظفين العموميين، وأصبح التلفزيون ضيف البيوت الدائم، المقدر حديثه وأخباره، واستسلم الناس لسلطانه بعدما عجزوا عن محاربته، لكن بعض الأنظمة السياسية ووسائل الإعلام المرتهنة والبعيدة عن أخلاقيات وشرف مهنتها، أعطت مبرراً للناس أن يتوجسوا من أي خبر أو حديث أو استقبال ضيف محاور، لأنها فرضت على وسائلها الإعلامية التابعة السيطرة الواضحة والفاضحة، وألزمتها بالكذب على المواطن، وتضخيم المنجز، والسكوت عن المقصر، من هنا كان الإسقاط على وسائل الإعلام الرسمية كافة في عمومها، ولو كانت صادقة وجادة إلى حد ما، ولها صبغة وطنية، لكن التعميم ساد على التخصيص، في المقابل تهاون الناس مع وسائل الإعلام الخاصة، وأعطوها المصداقية كلها، رغم فشلها وتجملها وارتهانها أحياناً، ولكن يكفي أن تشيع أنها معارضة، ولا تتبع أي جهة ما، وضد الحكومة، وخلاف للرسمي المدجل والمدجن، حتى توضع فوق الرؤوس، ومع ثورة المواصلات والاتصالات الكبيرة، ودخول وسائل إعلام إلكترونية، وجديدة على الإنسان، وجدنا المتلقي في البداية متحفزاً ومتوجساً منها، ولا يعيرها أي أهمية، ويعتقد أنها بلا مصداقية ولا مرجعية، وظل يفضل عليها وسائل الإعلام التقليدي، حتى طغت وهجمت عليه في كل مكان يوجد فيه، ساعتها انتبه قليلاً، خاصة وأنها قدمت له السهولة والسرعة وقلة التكلفة وحرية الحركة، فتحول لها بدرجة كبيرة وبشكل متسارع، وأعطاها الشرعية والمصداقية، خاصة وأنه جزء مشارك معها في اللعبة والصنعة الإعلامية، ومتلق لرجع الصدى بطريقة مباشرة ومتبادلة، بعكس الوسائل القديمة، الشاهد أن وسائل الإعلام لم تكن في يوم من الأيام مرحباً بها، ولا خطواتها الأولى مفروشة بالحرير، ولكنها مع الوقت والجهد والعمل على نفسها بطريقة مهنية وأخلاقية، وبعد أن يمتحنها الجمهور في مهنيتها ومصداقيتها وشفافيتها، يعطيها تلك الدرجة من الرضا التي تتحول مع الوقت لاحترام كلمتها!