لا أخفي تعاطفي هذه الأيام مع رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، فالإنجليز لا يتركون الرجل ينعم بزيارة رسمية أو خاصة، إلا وتحصل مصيبة في بلده تدفعه إلى قطع إجازته والعودة فورا إلى وطنه للتعامل مع هذه المصيبة. قبل نحو ثلاثة أسابيع كان في زيارة إلى بعض الدول الإفريقية، واضطر إلى قطعها والعودة بسبب تفجر فضيحة التنصت على المكالمات، ورغم أنه حاول يومها الاستمرار في جولته، إلا أنه تعرض إلى لوم شديد من أوساط شعبية وبرلمانية دفعه إلى العودة، وهذه الأيام كان كاميرون يمضي إجازته الصيفية في إيطاليا، لكنه قرر قطعها من تلقاء نفسه قبل أن يلومه أحد لبحث أزمة الشغب التي تفجرت في بريطانيا الأسبوع الماضي، وتسببت في حرق المباني والممتلكات العامة بما فيها مركز للشرطة في شمال لندن. بالنسبة للكثيرين الأزمة الحاصلة في لندن تكشف عن وجه لم نتعود أن نراه عن المدينة، ولا تتماشى مع طبع الإنجليز المضروب بهم المثل في برودة الدم، وعدم الانفعال بسرعة، وهي مجموعة من الصفات الحميدة التي تحمي صاحبها من ارتكاب أفعال متهورة في أوقات الغضب، قد يندم عليها بعد ذلك في وقت لا ينفع فيه الندم، لكن يبدو أن هذه الصفات مجرد أوهام. ربما أن الإنجليز في هذه الفترة قد تأثروا بالمزاج الثوري العربي ، وقرروا الاحتجاج على طريقة ميدان التحرير ، لكن ما حصل في لندن من عمليات نهب وسرقة واستغلال الظرف في السطو على المحال يخبرنا أن الاحتجاجات الانجليزية طريقتها مختلفة تماماً عن الثورات العربية. في لندن تشعر من خلال الأخبار التي تتابعها أن معظم المشاركين في مسيرة الاحتجاجات لم يصدقوا حصول الفوضى وغياب القانون في استغلال الوضع في نهب المحال والحصول على أكبر قدر من الغنائم في أسرع وقت قبل أن يعود النظام والقانون. وهذه صفة دائمة التكرر في أوقات الفوضى التي تحصل في الغرب بشكل عام، حيث تجد السرقة على رأس قائمة الأضرار التي تحصل، والشواهد كثيرة في المرات التي كانت تنقطع فيها الكهرباء عن مدينة نيويورك، كانت السمة الدائمة لهذه اللحظات ارتفاع حاد في عمليات نهب المحال وسرقة المراكز التجارية. مثل هذا الأمر لا تراه في المجتمعات العربية، وإن حصلت فإنها تكون محدودة، حيث لا تجد العرب يتسابقون على السرقة والنهب على هامش الثورات وتحت جنح الظلام عندما تنقطع الكهرباء، قد يكون العربي ذا دم حامٍ وجاهزاً بالفطرة للانفعال والغضب، لكنه ليس بالحرامي لأنه ببساطة هناك أمور تمنعه مثل شهر الرحمة رمضان. salshamsi@admedia.ae