في ليالي رمضان قد تسير برغم الجو المشبع بالرطوبة على شارع كورنيش أبوظبي، ذلك التحفة التي تطوق جيد العاصمة، تتأمل المشهد العام، المباني التي تشكل لوحة بانورامية للواجهة البحرية العصرية للمدينة، الأشجار المتلألئة بالأضواء احتفاء بالشهر الفضيل، الناس يمشون، يمارسون الرياضة، يتسكعون، ربما هرباً من المسلسلات التلفزيونية السخيفة، أو من مقاهي الشيشة الكئيبة، الأطفال يمرحون من غير اكتراث، والرطوبة العالية تجعل الهواء ثقيلاً فتشعر بنقص في الأكسجين. ها أنت تقف على ضفاف الوطن، تتأمل مياه البحر المعتمة، وتلك الأضواء المتلألئة على صفحته الهادئة، وثمة تيار هواء يمر كالنسيم العليل، تملأ به رئتيك، يمنحك نوعاً من الانتعاش، تشعر بسكون الليل الذي يبعث في النفس الشجون، تستمع لصوت البحر، وهو يشدو بتراتيله السرمدية كلما تكسرت موجاته على كاسر الأمواج، وضحكاته كلما دغدغت الرمال البيضاء وأمواجه اللطيفة التي سرعان ما تتلاشى كأنها ما كانت. تهدأ روحك المضطربة المسافرة، تستقر، تشعر بنوع من السكينة، توقن بأن ذلك ما يضفيه الشهر الكريم من روحانيات ونفحات إيمانية على المكان، تشعر بسعادة الناس وغبطتهم، تمشي خلفهم، تتسكع مثلهم، تشعر بأنك واحد منهم، تنصت، تسمع تمتمات الحمد والشكر لله، ودعوات بالخير لأهل هذا الوطن المعطاء ولقيادته وشعبه، ولمؤسسه وبانيه المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، دعوات لهم جميعاً على ما قدموه من خير، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. تشعر بعظمة هذا الوطن، بأنه واسع شاسع عميق كالبحر، لا تحده حدود الزمان والمكان، تشعر بأن الجغرافيا لم تعد حاجزاً، وأن التاريخ لم يعد إطاراً، لأن مبادئ التسامح والعطاء تخطت كل الحواجز والحدود، تشعر بأنه يكفي للجميع، وأن كل هؤلاء الناس جاؤوا ضيوفاً مكرمين معززين، يسترزقون ويعملون، ويسهم كل بدوره في دورة الحياة، وفي البناء والتعمير من أجل رفعة هذا الوطن، تشعر بحجم الجهد الذي قد يحتاجه بلد مثل الإمارات ليصل إلى ما وصل إليه من سمو وعلو يلامس عنان السماء. تشعر بأن هذا الوطن كالقلب الحنون، يستوعب كل من يحبه، ويتسامح مع كل من يرفضه أو يحقد عليه، لأنه أسمى من كل ذلك، ولأن قيادته وشعبه كذلك، مجبولون على الطيبة والخير، تشعر بالشوق والحنين إلى الوطن حتى وأنت تعيش فيه وعلى أرضه، وتعتريك رغبة عارمة لاحتضانه، تقبيله، حمله على الأكتاف وفي الصدور، من أجل حمايته، حراسته والدفاع عنه. rahaluae@gmail.com