أشياء كثيرة تحيط بنا، هذه الأشياء مكنتنا من التواصل مع أنفسنا ومع الآخرين، وتعلمنا عبر هذه الأشياء لغة الكلام، هذه الأشياء قد تكون عبارة عن مفتاح، حقيبة، حذاء أو حتى قنينة مشروب غازي، بعض هذه الأشياء عندما نراها ونلمسها، تدمع أعيننا لأننا نتذكر عبر هذه الأشياء، أشخاصا قد غادروا هذه الحياة، وأشخاصا قد غادروا البصيرة، لذلك تجد الفنان يحقن جلد العمل الفني بهذه الأشياء، أملا في بناء حدث مشابه لتلك الأحداث التي عاصرها في السابق، وفي الواقع الفنان عبر هذه الأشياء يبني أحداثا جديدة مع أشخاص مختلفين. عندما تلتقي أجسادنا مع الأشياء المحيطة، نشعر بحرارة، هذه الحرارة تخلق حوارا داخليا، مع النواة السوداء في ذاتنا، النواة السوداء عملاقة، كثيفة السواد، بمجرد أن يشتعل الحوار الداخلي، تستطيع الذات أن ترى، جزءا بسيطا من هذه النواة السوداء، والشخص الوحيد القادر على إدراك حقيقة النواة السوداء، هو الفنان، لأن الفنان كثير التأمل، وقوي البصيرة، لحظة الإدراك التي يعيشها الفنان، يترجمها للآخر بلغة الرمز، يقوم الفنان برسم قلم، كوب ماء، فرشاة، كل تلك الأشياء، تمثل حقيقة النواة السوداء، وليس الوسط المحيط الخارجي. عبر مجموعة الأشياء المرسومة على سطح اللوحة، ذات الأبعاد الوهمية، تتحقق الرغبة، في بناء عالم قريب من الواقع، فلا شيء أجمل من الواقع، ولكن هذه الرغبة تجبر الفن على التكلم بصمت، قد يكون همس أو حتى إيماءات جسدية، خوفا من الخروج عن المألوف، هذا الخروج لا يعني التخلي عن الإبداع والجمال، بل إضافة مدارس جديدة، ضمن قاموس الفن البصري. يستغل الفنان العناصر المحيطة، والمتمثلة في كلمة أشياء للعودة بالزمن للخلف، أي كأننا داخل السيارة وهي تتحرك للأمام، ونرى عبر النافذة الأشياء الخارجية تتحرك للخلف، حتى وإن أخرجنا أيدينا من النافذة، فإنها تندفع نحو الخلف، لعبة تلعبها معنا الأشياء المحيطة، وتسن قوانينها الحركة النسبية. نظن أن هذه الأشياء، تجبرنا على التذكر، لكن في الواقع أننا نحن من يجبرها على بناء ذاكرة جديدة تمثل مستقبلنا وليس ماضينا، فالبرقع “غطاء الوجه” الذي يلطخ وجوهنا بالحبر الأزرق، قد يختفي في المستقبل، ولن يعود له وجود، بينما الحقيبة التي تعانق أيدي النساء، فإنها في تكرار، وإن تعددت أشكالها وأحجامها. كلمة أشياء ترسم على وجه الفن، عالم الطفولة البريء والبعيد عن الخطيئة، وهي كلمة يترجمها الفنان بطرق مختلف ولكن اللغة واحدة والهدف واحد، وإن تعددت الجنسيات والبيئات المختلفة، فاللغة هي لغة الفن والهدف ايجاد الذات داخل النواة السوداء. science_97@yahoo.com