بعدما سمعنا عن مبادرات وأبحاث كبيرة وواسعة تجري بمتابعة من سلطات عليا في بلدان عدة بحثاً عن إكسير الشباب الدائم، وظهور بوادر ومؤشرات علمية طيبة، تناقلتها وكالات الأنباء العالمية، تابعنا خلال اليومين الماضيين المعركة القضائية التي يخوضها المواطن الهولندي السبعيني ايمايل راتبلاند الذي يعمل مدرباً لمهارات الحياة ومتخصصاً في تنمية الذات، ورفعه دعوى يطالب فيها بخفض سنوات عمره رسمياً بما لا يقل عن 20 عاماً لأنه يشعر بأنه لا يزال في قمة عطائه، وباستطاعته تقديم المزيد.
ولأنه يملك شهادة ميلاد موثقة، وليس شهادات «تسنين» من أطباء أسنان كما كان يجري عندنا في الأزمنة الغابرة، فإنه لم يجد أمامه من سبيل لاستعادة شبابه «المفقود» إلا عبر ساحات المحاكم.
أكثر ما حز في نفس راتبلاند- كما قال لمحاميه ووسائل الإعلام- انصراف الغيد عنه مجرد ما يعلمن بعمره الحقيقي رغم ملامحه ومظهره الذي لا يشي بذلك.
بعيداً عن المعركة القانونية للرجل، تمثل القضية صورة من صور التحديات التي تواجهها المجتمعات البشرية اليوم مع وجود الملايين من البشر الذين يتقدمون في العمر، وهم في كامل الصحة واللياقة والقدرة على العطاء بسبب التقدم العلمي والحياة الصحية، ومع ذلك يجدون أنفسهم مجبرين على التقاعد جراء القوانين التي تم سنها منذ عقود بعيدة، والتي لا تعترف سوى بالأرقام التي أمامها، ويتحول الإنسان معها لمجرد رقم. ولعل أكبر مجتمعين في العالم يعانيان هذه القضية، المجتمع الياباني ومعه الألماني، وهما أصحاب أكبر معجزتين اقتصاديتين في تاريخنا المعاصر.
عندنا لوائح الخدمة المدنية تسير كما في غيرها من البلدان التي تتعامل مع الإنسان وتقدمه في العمر بالآلية ذاتها بأنه مجرد رقم، ودون اعتبار لخصوصية ديموغرافية الإمارات، بل شهدنا استغلال سلطة الإحالة للتقاعد أسوأ استغلال للتخلص من كفاءات وخبرات لأنهم على غير هوى المدير أو العهد الجديد.
ذات مرة تحدثت عهود الرومي، وزيرة السعادة وجودة الحياة، عن أن المستقبل يحمل معه فرصاً لتمديد سن التقاعد ليتجاوز التسعين عاماً، واعتقد البعض أن ذلك ضرباً من الخيال والأحلام. ولكنه سيصبح واقعاً ستضطر البيروقراطيات المتناسلة للتعامل معه، مع تقديرنا لشعار تجديد الدماء الذي ترفعه للتغيير والتجديد في مرافق العمل. ونحن لدينا تجربة قواتنا المسلحة التي نفخر بها من خلال أنموذج «الوحدات المساندة».