الجولات التي تقوم بها الجهات المعنية للرقابة على الأسواق والمحال التجارية والمطاعم وغيرها على الملأ، وبمرافقة الوفود الإعلامية من صحفيين ومصورين وحشد من المسؤولين والموظفين والمرافقين هي جولات مكشوفة لن تسمن ولن تغني من جوع، ولن تردع المخالفين وهم كثر في الشهر الفضيل، ولن تكشف ألاعيب المتلاعبين والمتجاوزين من التجار والباعة مستغلي حاجة الناس وهرولتهم للأسواق بشراهة ونهم غير طبيعي، ولن تزيح الأقنعة عن المخالفين، ولن تتلمس حالة السوق الحقيقية ورفع أسعار بعض السلع الأساسية والضرورية التي يقصدها الناس ويقبلون عليها بالشهر الكريم خاصة.
هناك عدة جهات حكومية تقوم بجولات تفتيشية على الأسواق للتأكد من تثبيت الأسعار والبيع بالأسعار المتفق عليها مع الجهات الحكومية، وضمان التزام التجار باتفاقهم ومعاهداتهم ووعودهم التي قطعوها على أنفسهم، وهو جهد مقدر لتلك الجهات نابع من حرصها الشديد على حماية وضمان حقوق المستهلك وحمايته من نار وطمع بعض التجار، والعمل قدر المستطاع على ضمان تأمين احتياجات المجتمع من السلع الأساسية بأقل أسعار ممكنة، وذلك جزء أساسي من عملها، ولكن أن تقوم تلك الجهات بجولاتها بهذه الصورة غير الفعالة إنما هي تهدر وقتها عبثاً ودون جدوى، لأنه وبكل بساطة، بإمكان كل تاجر تغيير أسعار السلع فور معرفته بقدوم وفد التفتيش وهو أمر متاح لأولئك التجار لأنها جولات علنية، بتغيير لوحة الأسعار، كما أن الغريب والعجيب أن نشاهد بعض المسؤولين يتعمد سؤال البائع عن سعر سلعة ما والبائع يعلم أن من يسأله مسؤول ورئيس وفد التفتيش، فماذا يتوقع المسؤول أن يجيبه البائع وأي سعر سيعطيه؟ وهل يتوقع أن يرفع السعر عليه مثلاً، وهو يعرف من يحدث ومن يسأله وما الهدف من سؤاله، قد يكون الموضوع من البدهيات التي لا تحتاج أصلاً لنقاش أو طرح، ولكن ما يدعونا لطرح الموضوع استمرار المسؤولين والمعنيين بالحملات بإجرائها على الملأ وبشكل علني، مما يتيح للتجار المتجاوزين التستر والتراجع للحظات عن الأسعار الحقيقية التي يكوون بها المستهلكين.
إن مثل الجولات المهمة والحيوية لضمان التزام التجار والحفاظ على ثبات الأسعار استقرارها من الأمور المهمة جداً ويجب على المعنيين أخذها بجدية أكبر، وألا يعتبروها فرصة ذهبية للظهور الإعلامي والاستعراض أمام كاميرات وعدسات المصورين الإعلاميين، لينقلوا للناس أن المسؤولين يقومون بدورهم وواجبهم على أكمل وجه، بل على العكس هم بهذا التصرف يسيؤون لأنفسهم ويهدرون هيبة ومكانة مسؤوليتهم ويضيعون حقوق الناس والمجتمع ويساهمون مع من تسوّل لهم أنفسهم التلاعب بالأسعار بغير قصد، ولو أراد هؤلاء المسؤولون مراقبة الأسعار بالفعل والحد من تجاوزات التجار، لعملوا خلف الكواليس وبعيداً عن عمل العدسات والكاميرات والإعلاميين وجيش المرافقين، وأن يتخلوا عن حب الظهور والاستعراض.


m.eisa@alittihad.ae