لا يمكن التشكيك بالهدف النبيل لحملة تحدي سكب دلو الثلج، التي انتشرت على شكل واسع، واتخذت من وسائل الإعلام الجديد مسرحا لها، وهدفت لجمع التبرعات من أجل الأبحاث الجارية عن علاج عالمي لمرض «التصلب العصبي الجانبي الضموري»، لكن مراقبة مسار الحملة يقتضي تسجيل النقاط التالية: 1- رغم خطورة تدمير هذا المرض لخلايا الجهاز العصبي إلا أن عدد المصابين به في العالم يصل لنحو 150 ألف شخص، وهو عدد ضئيل للغاية مقارنة بالمصابين بأمراض أخرى كثيرة، مثل التهاب الكبد الوبائي (ج)، الذي يوصف بالوباء «الصامت»، ويصيب على الأقل 170 مليون إنسان على مستوى العالم، بما في ذلك العالم المتقدم حيث تشير إحصاءات إلى إصابة نحو 9 ملايين أوروبي و4 ملايين أميركي بهذا الوباء العالمي القادم، هذا عدا عن الأمراض التي تهّم نحو خمس عدد السكان في العالم، أي مئات الملايين من المصابين بها، مثل مرض ضغط الدم المرتفع ومرض السكري. وكذلك بعض الأمراض المنتشرة بصورة كثيفة في قارات معينة، كالملاريا، وفقر الدم المنجلي- الأنيميا- الذي يعاني منه نحو 50 مليون إنسان في القارة الأفريقية وجزر الأنتيل والهند وحوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وبعض بلدان الخليج العربي. 2- صحيح أن انتشار الحملة نتج عن مشاركة مئات النجوم والسياسيين عبر العالم، لكن الصحيح أيضا أن ذلك لم يكن ليتم لولا مشاركة مؤسس موقع فيسبوك مارك زوكربرج، الذي تحدى مؤسس شركة ميكروسوفت، بيل جيتس، بسكب دلو الثلج والماء البارد. بل إن مشاركة هذين الاثنين وآخرين من رواد العصر الحالي في التكنولوجيا الرقمية أظهرت قدرة غريبة لدى عالم التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد على الترويج والنشر، حتى لو بدا السلوك غريباً ومثيراً للقشعريرة أكثر منه للشجاعة والابتكار. 3- يمكن القول إن انتشار حملة دلو الثلج كان أقرب للإثارة المصطنعة، فحتى وفاة الشاب الذي أطلق الحملة، كوري جريفين (27 سنة)، أثناء غوصه تحت الماء على ما قيل، لم تضفِ على الحملة إثارة حقيقية. 4 - إن تصوير الفيديو، هو الأصل في الحملة أكثر منه المشاركة بسكب دلو من الماء والثلج البارد على رأس المشارك الذي يقبل التحدي تحت طالة دفع «غرامة» مائة دولار في حال رفض التحدي. لكن، خلافا لتحديات من نوع آخر كانت موضوعا لحملات تضامن سابقة، مثل السقوط من مرتفعات خطيرة، لم توفر فيديوهات سكب دلو الثلج إثارة فعلية، لا بصرية ولا شعورية، رغم انتشارها السريع، ذلك أن الفيديو-لوحده- يعجز عن نقل الإحساس (الداخلي) بالبرد الشديد الذي يثيره سكب الثلج. وما نرجوه من هذه الحملة هو أن يستطيع مبتكرو التكنولوجيا والتواصل، ابتكار تكنولوجيا تجعلنا قادرين على الإحساس بمشاعر الآخرين في العالم الافتراضي.