أن تصل الجماعات الإسلامية إلى سدة الحكم، وأن تمسك برأس السلطة فهذا أمر جميل ومفرح لنا، لأن هذه الجماعات، وهي خارج عربة القطار، مثلت دوماً دور الضحية، متاجرة بذلك على مر الأزمنة، مستفيدة من تعاطف شريحة معينة مع طرحها البراجماتي، ذاهبة خلفها بلا وعي مكبل بالشعار والكلام المستعار.. الجماعات بحق استفادت استفادة كبيرة من الفلسفة الصهيونية التي منذ أكثر من ستين عاماً ولا تزال تلطم الخدود وتضرب الصدور بسبب مذابح الهولوكوست، آسرة العالم بهذه الأكذوبة التاريخية الخيالية الخرافية التي لا معنى لها، إلا أن اليهود أذكياء ويعرفون من أين تؤكل الكتف، ولذلك فإن الجماعات الإسلامية “الإخوان” وجدوا ضالتهم في هذه اللعبة الذكية، وللأسف الشديد أن البعض منا يقدم لهؤلاء هدايا لا تراودهم إلا في الأحلام، البعض منا يواجههم بالشتائم والسباب وهم يريدون ذلك ويطلبون المزيد، يريدون أن يظهروا أمام الملأ أنهم المجني عليهم، والمغلوب على أمرهم، بينما مركبتهم السريعة تمضي بخطى واثقة، يعملون بنظام وسرية، يعملون بدقة وكلما تصاعدت وتيرة السباب من هذا وذاك، كلما ازدادوا عناداً وتمادياً في العداء ضد المجتمعات، وكلما تشعبت سراياهم في الأمكنة، مهددين الواقع الاجتماعي بانهيار مدمر.
هؤلاء لا يؤمنون بالحوار، لأنهم حددوا السقف وساروا من تحت أخشابه مذعنين لإرادة “الأمير”، فلذلك ليس المطلوب الحوار معهم، كما أنه ليس المطلوب شتمهم أو استخدام الألفاظ التي لا تليق، لأن المجتمع العربي مهما بلغ من حريات مدعاة، فإنه مجتمع محافظ ويتأفف جداً من سماع الكلام النابي، المطلوب مقارعة الحجة بالحجة، والفكرة بالفكرة، وأقول ليس بالحوار وإنما بتأسيس ثقافة رصينة، رزينة، مقنعة، نذهب بها إلى مدارسنا وأنديتنا، نذهب بها إلى إعلامنا الذي لم يزل بعد لا يقوم بدور الفاعل، وإنما يكتفي بدور رد الفعل وأحياناً المفعول به.
يجب أن نتسلح بثقافة تنتمي إلى ديننا الحنيف الذي بدأ بالإنسان وتوعيته من الظلال القاتمة ومن الضلال.. يجب أن تكون لدينا ثقافة الثقة بالنفس، لأن المجتمع أقوى من أي فئة، ولأن الكل أشمل من الجزء ومواجهة المشكلة يجب أن تبدأ بوضع الخطط المناسبة والملائمة لصناعة مفكرة المضاد الحيوي، وفكرة المصل الذي يقوي الدماء ويحميها من الأنيميا..
فلا تشتموهم، حتى لا تمنحوهم أسباب البقاء، هؤلاء يريدون أن يتمسكنوا “كمستضعفين” للوصول إلى أهداف وغايات يعلمها الجميع، لا تشتموهم، فهم خير من يجيد دور الضحية وخير من يمثل على مسرح الشعارات، اللاهبة، والصاخبة .. فالمجتمعات اليوم أمام مرحلة فاصلة، فإما أن تكون أو لا تكون، وإما أن تنهض بثقافة الحب، واحترام الآخر أو تبقى في أتون النظرة الضيقة العابسة، المكفهرة المدبرة دوماً عن تقديم كل ما يصلح وجه العالم.


marafea@emi.ae