هناك أرقام تدهشك حين تسمعها لأول مرة، وتكاد لا تصدقها، فقد نبأ إلى مسمعي - طبعاً هذه الجملة المفيدة ما يخصها في الاقتصاد ولا في التجارة، ولا في لغة الأرقام- أن تجارة العطور عندنا تصل إلى ستين مليار درهم سنوياً، فتكاد لا تصدق، وتقول في نفسك: لو أن المواطنين يتدَّخنون بزعفران ما وصلت الأمور إلى المليارات، لو أنهم يمضغون كل صباح العنبرة الزرقاء، ما وصلت الأرقام العطرية إلى قيمة الناتج القومي لبعض البلدان في العالم الثالث.
ومن الأرقام الصادمة، بلوغ حجم قيمة البضائع المقلدة، وغير الأصلية إلى 100 مليون درهم، وفق ضبطية الجهات المختصة، وخلال تسعة أشهر فقط، وفي أبوظبي فقط، حيث تتم سرقة جهد وابتكار وإبداع الآخرين من أصحاب الماركات العالمية الذين يدفعون لجودة إنتاجها، وأفكار تصميمها، وملاءمتها للاستعمال الإنساني، وتكون في الوقت نفسه صديقة للبيئة، كما يدفعون لها حق التسويق والترويج مبالغ توازي المصنعية، ويأتي شخص أو شركة من الذي يقتات على جهود الآخرين، ومن بلدان غير عضوة في المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية «ويبو»، وترفض مراراً التوقيع على اتفاقية حفظ حقوق الملكية الفكرية، والحقوق المجاورة، متيحة لأفرادها أو مصانعها أو شركاتها بالسرقة والنسخ وإعادة الطبع والتقليد، وبمواد إنتاج أولية غير مطابقة للمواصفات والمعايير الدولية، ويبيعها لهواة المظاهر الاجتماعية الكذابة بأسعار زهيدة، والهدف إغراق الأسواق، ودبّ الفوضى فيها.
وقد تنبهت أوروبا مبكراً لهذه المسألة، فتكاد تكون هي المعنية الأولى بهذا الأمر، فسنّت قوانين وعقوبات رادعة، بحيث من يجدون عنده بضاعة مقلدة يغرم حق البضاعة الأصلية، وقد تصل الغرامات إلى عشرة آلاف يورو، ناهيك عن التأديب الاجتماعي، يعني يمكن يخمّ الشارع وينظف المرافق العامة، وكثير من أصحاب دور الأزياء والمجوهرات والأكسسوارات العالمية الراقية، يقومون بجمع كل النفايات المقلدة، والبضائع المسروقة أدبياً ومالياً، ويدفعون ثمنها مبالغ كبيرة تصل للملايين، بغية جعل بضائعهم نقية، ويقيمون حفلة دهس وتحطيم وحرق كل ما دفع ثمنه من السوق السوداء أمام محالهم الرئيسة، أو في الساحات العامة المستأجرة، ليحموا بضائعهم الأصلية، ويفرّغوا الأسواق من الغش والتلاعب بزبائنهم، ومنع المتمظهرين من ارتداء بضائع لا تحمل توقيعهم الأصلي.