أحرص كل عام على زيارة ''معرض القاهرة الدولي للكتاب'' وقد بدأ هذا الحرص من العام الأول للمعرض الذى أسسته وأنشأته أستاذتي سهير القلماوي وظلت ترعاه إلى أن استقر وأصبح احتفالا سنويا للثقافة المصرية، واحتفاء بها وبالثقافة العربية والعالمية على السواء· ولا أزال أذكر، إلى اليوم، المعرض الأول الذي كان مقاما بأرض المعارض القديمة في الجزيرة، وكانت قد مضت ثلاثة أعوام على تخرجي وذهبت إلى المعرض الذي كان يشغل المبنى الذي أصبح، الآن، متحف الفن المصري الحديث في الرسم· وكان عدد المشاركين لا يزال محدودا بالقياس إلى اليوم، ودخلت المعرض، وفي جيبي جنيهان بالتمام والكمال، وأخذت أتجول بين أجنحة المعرض إلى أن توقفت عند جناح الاتحاد السوفييتي، وكان يعرض عددا كبيرا من الكتب المترجمة لأعلام الأدب الروسي والسوفييتي مع عدد مواز من الكتب النقدية التي كانت تدور في دائرة الواقعية الاشتراكية التي كانت شائعة في ذلك الزمان الذي كان الاتحاد السوفييتي الصديق المقرب من مصر، والذي كانت متانة العلاقات السياسية بينهما تنعكس على العلاقات الثقافية، وكان من نتيجة ذلك إنشاء المركز الثقافي الروسي في القاهرة لعرض الأفلام وعقد الندوات وإقامة المعارض، بالقدر الذي كان يضم فصولا لتعليم اللغة الروسية· وقد أنشأ الاتحاد السوفييتي مجلة ثقافية بعنوان ''الشرق''، اتفق مع الدكتور محمد مندور، رحمه الله، على أن يكون رئيسا لتحريرها، وواحدا من الكتاب البارزين لمقالاتها، كما أنشأ مكتبة لبيع الكتب الروسية في شتى المجالات، مترجمة باللغة العربية طبعا، وتضم ترجمات أعمال كارل ماركس ولينين وإنجلز وغيرهم من قادة الماركسية ومنظريها· وتوقفت بالطبع عند جناح مكتبة الشرق، وفوجئت بأسعار الكتب الكثيرة التي كانت أثمانها في حدود ميزانيتي المتواضعة، فاشتريت ما كنت أتمنى قراءته من كتب تولستوي ''الحرب والسلام''، ودوستوفسكي وتورجنييف وجوجول وشولوخوف وأمثالهم، وأضفت إلى هؤلاء كتاب يرميولوف الناقد الأدبي عن الكاتب العظيم ''تشيخوف''، وكان من ترجمة المرحوم الدكتور عبد القادر القط، فيما أظن، وخرجت من المعرض، إذ لم تعد لي حاجة إلى المزيد من الشراء، بعد أن دفعت كل ما أملك في شراء ما كنت أحلم بشرائه وضاع الجنيهان طبعا، ولكني كنت أحمل حقيبتين، كل منهما ملأى بالكتب، فقد كان أغلى كتاب لا يزيد ثمنه عن عشرة قروش