من الأمور التي كنت حريصاً على رؤيتها أثناء السفر إلى فيتنام شيئان، الجحور التي كان يختبئ فيها الثوار ذات الطرق المتعرجة تحت الأرض، والتي يصل بعضها لمسافة أميال، ولا تتسع إلا لجثة فيتنامي قليل اللحم، خفيف الوزن، مع بندقيته الـ «سيمنوف» ويعلق فيها كل علج أميركي مع بندقيته الـ «م 16» حينما يحاول أن يدخل فيها بجسده الممتلئ فينشب أسفله في الجحر، ويبقى رأسه في الأعلى يدل عليه الثوار الفيتناميين، وكانت تعرف بكمائن «الزهرة المتفتحة»، فبالكاد يمكنك أن ترى شيئاً على السطح، لكن ما أن تصل قوة أميركية مدججة، حتى تتفتح تلك الزهرة ليصبح المكان محاطاً بالثوار، وكأنهم خرجوا من زرع شيطاني تحت الأرض، والحقيقة الرهبة من تلك الأماكن ماثلة حتى اليوم، ومن لديهم رهاب الأماكن الضيقة «كلوستروفوبيا»، فلا أنصح أن يدخلها، والشيء الثاني الذي كنت أتمنى أن أراه، هو مزارع الرز، لأنها رغبة طفولية، وفضول استمر مع النفس طويلاً، - وهنا كلمة هامشية، وخروجاً عن الموضوع، أجد الكثير لا يفرق بين الأرز والرز، ويقولون حتى في الصحف طبق الأرز، وأكلنا الأرز، والصحيح هو الرز، أما الأرز، فهو شجر ضخم من فصيلة الصنوبريات، ويعرف به لبنان لأنه شعاره الوطني، وتعرفه البلدان الباردة-، أعود لمزارع الرز والتي كنت أجهل تماماً كيفية زراعته، وحصاده، وزاد عجبي حين عرفت أنه يغمر بالماء، وأن هناك أنواعاً كثيرة منه، غير الأبيض الذي لا نعرف غيره، فهناك الأسمر والأخضر والأسود وغيرها من الألوان، ورغم القراءات، إلا أن المشاهدة أمر آخر، فلطالما استهوتني تلك المساحات الواسعة الخضراء، المغمورة بالمياه، والفلاحون يخوضون فيها لمنتصف أقدامهم، وثمة عجائز يعتمرون قبعات من القش، وفلاح يضع على كتفيه عموداً خشبياً أو من الخيزران محملاً على طرفيه ماء أو زاد، تراهم وهم يوزعون شتلات الرز، غرزاً تحت الماء أو ينتقونه حين حصاده، خلال تلك الزيارة رأيت شواهد قبور في منتصف الحقول، وحين سألت قيل لي: إنها عادة عند الفيتناميين أن يدفنوا الجد أو الأب أو كبير العائلة في الحقل لكي يتباركوا به، ويتحسن إنتاج الحقول، ويطرد الأرواح الشريرة، لكن الذي يرى حقول الرز في اليابان والصين فسيمتلكه العجب، ولا بد أن تخرج الآه من الصدر، بعض هذه الحقول يرسمونها وكأنها لوحة طبيعية بألوان مختلفة، وبعضها يرسمون أساطيرهم الشعبية فيها، ويشكلون بين الأرض والخضرة والمياه والرمال لوحات تنتزع الإعجاب والدهشة، والصينيون يربون أنواعاً من الأسماك صغيرة، ولا تستهلك «أوكسيجين» بكثرة، تفيد زراعة الرز، وتقلل من استخدام الأسمدة، وتعود هذه الطريقة إلى 1200 سنة، مما تعدها الأمم المتحدة من الطرق الزراعية التقليدية التي يجب المحافظة عليها، شعوب لا يمكنك إلا أن ترفع لهم قبعتك، ولو كانت من قش!