وجوه وظيفتها في الحياة تصدير الاكتئاب، بعد تسخينه، وتوضيبه، وترتيبه، ووضعه في أكياس حافظة، بحيث يصل إلى الآخرين، بمفعول سريع وجيد، ومؤثر جداً.
بعض الوجوه تعمل جاهدة على تلوين الحياة باللون الأسود، بحيث تصبح مثل سبورة فصل مدرسي قديم، تهاوت جدرانه ولم يبق منه سوى، أصباغ مقشرة، ولوحة باهتة تثير الفزع.
بعض الوجوه لديها مشاعر مثل زبد البحر، تأتي إلى سواحل الآخرين فتلقنها درساً في البشاعة، والفظاعة، ولا تترك شأناً في الحياة، إلا وتضع عليه رائحة نتنة، مثل رائحة البيض الفاسد.
بعض الوجوه، تحمل في طياتها، وتجاعيدها، وغضونها والتواءاتها، وتجاويفها، غبار أزمنة، دارت فيها معارك طاحنة، وتلقيها عليك، مثلما يتم إلقاء القمامة في مكبات المواد التالفة.
بعض الوجوه، مثل المجاري، لا تحمل غير الغث والرث، عندما تلتقيك، تقذفك بحزمة من النفايات، والحثالة، وتتركك في أزمة الأحمال الثقيلة، ولا تدع لك مجالاً في ضوء الشمس وهو يغسل عين الطير، ويرتب أشجان الورد، ويهذب وجدان الأغصان.
بعض الوجوه مدمنة على الرثاثة والغثاثة، وغثيان الأفكار السوداوية. بعض الوجوه مثل خنافس تخرج من جحور البؤس، وتذهب للحياة بألوان مكفهرة، بائسة، عابسة، يائسة.
بعض الوجوه، تحتال على الزمن، وتدير عجلاته، إلى الوراء كلما تقدم خطوة للأمام، بعض الوجوه لا يفرحها أبداً أن تشرق الشمس على البحر ليبدو مثل زجاجة صقيلة تسر الناظرين.
بعض الوجوه لا يعجبها العجب، وكلما أسفر القمر عن فصيح ضيائه، كلما توارت هي خلف الغيمة الداكنة، واستقرت في الحلكة الدامسة.
بعض الوجوه، لو بودها، واستطاعتها، لحولت العالم إلى كتلة من جحيم، واستلقت هي في موقده.
بعض الوجوه، هي عالم من الكائنات التي لم تكتمل خلقتها، تجوس في الأرض رافعة ذيل التوجس، والتوتر، والقنوط، والتذمر، والإحباط. بعض الوجوه، خاوية من البهجة خالية من المعنى، تتلاشى في الوجود، مثل قطنة تالفة.
بعض الوجوه لا تسعد إلا عندما ترى الحزن على وجوه الآخرين، ولا تبتسم إلا عندما تدمع عيون الآخرين. بعض الوجوه رسائل هجاء لا تكف عن بث لواعج الأسى، وبعث مشاعر الأسف.
بعض الوجوه لطالما مزقت قماشة الأحلام الزاهية، واستبدلتها، بأوهام قاتمة، معتمة، مفعمة، ناكصة إلى مراحل عميقة في تاريخ الهزائم النفسية.
بعض الوجوه، مكتنزة بالانكسارات، مليئة بالخسارات مما يجعل عدواها مريعة، ومفزعة.