أول مرة أسمع فيها اسم فيتنام كانت من خلال ما يسربه لنا ذلك الراديو القديم، وظلت مرتبطة في الذهن بالحرب الدائمة التي لا تنتهي، وثوار «الخمير الحمر»، والعاصمة «سايغون»، وبعدها برز اسم «هوشي منه»، جغرافياً كان يختلط عليّ موقعها، وأول شريط سينمائي عرفني بها كان وثائقياً بالأبيض والأسود عن حروب الغابات، وقنابل «النابالم»، والذي عادة ما كان يعرض في دور السينما كشريط إخباري قبل بداية الفيلم، كانت عادة قديمة في السينما ألغيت بحضور التلفزيون في كل المنازل.
أخذت فيتنام اسمها الحالي عام 1945، بعد استقلالها عن فرنسا، كانت تسمى «نام فييت» قديماً، أي «فييت الجنوبية»، ثم سميت «داي نام» أي الجنوب العظيم، وفيتنام مكتظة بالسكان، حيث يزيدون على التسعين مليون نسمة، لا يعتقدون بالديانات، ولا القيادة تحبذ ممارسة أي طقوس دينية، حيث يعبدون أنواعاً من النباتات والحيوانات وأرواح الأجداد القدامى، وبعضهم بوذي وطاوي وكونفوشيوسي، ونسبة عشرة في المئة مسيحيون، لكنهم محاربون دائماً من أجل البقاء والحياة، لذا فإن حقول الأرُز الخضراء الممتدة كجنة غير متناهية، هي ميدان عملهم وتعبدهم، تغلب عليهم صفة البساطة والدماثة رغم كل ويلات الحروب التي تغير من طبيعة الإنسان، وتجعله مُعَلِماً للشيطان في نزوعه للشر المطلق.
كانت الصورة النمطية للرجل الفيتنامي، ذاك الشخص النحيف جداً بقبعته القش، ويحمل ثقلين في طرفي عصا، مثل حال العتالين والحمالين في الزمن البعيد أو يسحب الدخان من عود القصب وهو سيجارته ومخدره، لكنها صورة أقرب للصورة السينمائية المدهشة للغريب، اليوم.. الزائر «سايغون أو هوشي منه» أو «هانوي» سيدهش من شعب مكافح، ومجالد ويحب العمل بطريقة مختلفة، ولم نعرفه حق المعرفة، ربما البعد واختلاف النظام واللغة شكلا عائقاً، هناك مبانٍ جميلة ورائعة بهندسة مختلفة، ثمة حركة منذ الفجر، وحتى الهزيع الأول من الليل، وإذا كانت هولندا تشتهر بدراجاتها الهوائية، فإن فيتنام تزخر بدراجاتها النارية، حيث بإمكان عائلة مكونة من أربعة أشخاص أن يركبوا تلك المركبة بطريقة تحايلية، لا تدري كيف، ذاهبين إلى المدرسة أو العمل، ربما لأن بنياتهم الجسدية تساعدهم في ذلك، فقد أمضيت أسبوعين في فيتنام لم أر فيهما امرأة واحدة متينة، على الرغم من أن الأرز أو العيش أساسي في كل وجبة.
كل شيء جميل في فيتنام عدا المطاعم التي تقدم لحم الكلاب والتي تشهد ازدحاماً غير عادي، وأسعارها غالية قياساً باللحوم الأخرى التي لا ندري فعلاً ما هي.. لذا لا تستغرب أن تمضي أيامك في مدن فيتنام، ولا تسمع فيها نباح كلب من كلاب البادية.. وغداً نكمل