ما لم يضبط المجتمع تدافعه وتسابقه واكتظاظه على الجمعيات ومراكز البيع والتسوق ويكبحوا جماح شرههم غير المبرر وممارستهم هوايتهم الخاطئة في تكديس المواد الغذائية والإفراط في إعداد الوجبات الغذائية والأطباق التي تزخر بها الموائد وتؤول في نهاية الأمر إلى سلال القمامة، حاويات النفايات، لن تجدي مساعي وزارة الاقتصاد أو الدوائر الاقتصادية وباقي المؤسسات والهيئات المحلية والجمعيات الأهلية في وقف جشع بعض التجار، والحد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية الضرورية، لأن مثل هذه القضية تحديداً تتطلب تعاوناً بين كل الجهات وأفراد المجتمع لتحقيق الأهداف المرجوة بالحد من ظاهرة ارتفاع الأسعار وتلاعب البعض ومراوغاتهم وعبثهم بالمجتمع واستغلال المناسبات لتحقيق أرباح غير مشروعة، لكنها ترفع من أسهم تلك الشركات أو المحال وتزيد من نسبة أرباحهم التي يجنوها في نهاية الأمر.
ما نشاهده اليوم على أرض الواقع يوضح لنا حقائق غريبة وعجيبة، فالجهات الحكومية أو الجمعيات الأهلية وغيرها من أصحاب الشأن يقومون بعمل لا بأس به لإيقاف أي محاولة لاستغلال أي مناسبة لرفع الأسعار، وتلك الجهات تفتح عيونها أكثر فأكثر في تلك المناسبات لأنها تدرك أن أصحاب المصالح لن يفوتوا الفرصة، وسيسعون لاستغلال الوضع لرفع الأسعار أو حتى سلع معينة يقبل عليها المستهلك في مناسبة معينة، كالعيد أو رمضان أو موعد العودة للمدارس أو غيرها من المناسبات العديد، وهي مستمرة طوال العام، وتفرض إدارة حماية المستهلك كذلك عقوبات مشددة، برفع مخالفة رفع الأسعار خلال شهر رمضان المبارك من عشرة آلاف إلى خمسين ألف درهم، فالجهد المبذول كما قلت لا بأس به، ويمكن أن يردع المتجاوزين لو طبقت القوانين والإجراءات الصارمة التي تعلن عنها الجهات الرقابية المعنية.
ووسط هذا الحراك من الجهات الرقابية يبقى موقف المستهلك في غاية الغرابة والعجب، ففي الوقت الذي يبذل الجميع الجهد لخدمة المستهلك ينأى هو بنفسه عن المساهمة والمشاركة في تلك الجهود التي تخدمه أولاً وأخيراً، بل ويذهب لأبعد من ذلك بأن يهدر جهود الآخرين للحد من ارتفاع الأسعار بممارساته العشوائية الخاطئة، ولعل زيارة واحدة لأي جمعية تعاونية أو متجر كبير لبيع السلع الغذائية يكشف لنا حجم الممارسات الخاطئة لأفراد المجتمع التي من شأنها أن تذهب بجهود الجهات الرقابية للحد من ارتفاع الأسعار، ما نشاهده من تزاحم على الأرفف وإقبال على المراكز ونهم على تكديس كل ما لذ وطاب وبكميات كبيرة هو في الحقيقة ضرب لجهود المؤسسات الحكومية والرقابية للحد من ارتفاع الأسعار، فالسلوك الشرائي المفرط يشجع ويغري التجار على استغلال نهم المستهلكين ورفع الأسعار ولو كان بشيء بسيط، كما يعزز من موقف مراكز البيع الرافض لأي تفاوض وتعاون مع الجهات الرقابية لتثبيت الأسعار على أقل تقدير، فانصرفوا عن ذلك السلوك المشين يرحمني ويرحمكم الله.


m.eisa@alittihad.ae