في الصيف، وبالأخص في يوليو وأغسطس، تفور المياه، وتتلظى الأرض، وتنصهر الجبال، وتغلي الدماء وتحمر الوجنات لأن حرقة الجهات الأربع، تضم وتعم الكائنات من عوام وهوام. ولا يجلي عن الخواطر كل هذه التعهدات إلا أجهزة التكييف النافخة ليل نهار دون توقف أو استراحة. ولكن ماذا يشفع لشباب تركوا منازلهم السكنية ولجأوا إلى نواصي الشوارع، محملين بأوزار التربية السيئة ورداءة السلوك، غير أنهم ينفسون عن ضغائن وشحنات عدوانية بأسلحة بيضاء وعيون حمراء، وسواعد معروفة مكشوفة، سمراء، تاركين الدماء تنزف بغزارة على إسفلت الصيف الذائب.
الفراغ، وغياب الأهداف الاجتماعية، وحضور الصيف الحارق، تدفع إلى الانتقام. فماذا؟
لا أحد يدري أي تفسير محدد، ولكن لا بد أن يكون وراء هذا الاندفاع العصبي المتشنج، واللامبالي بالنتائج، والمستهزئ بقيم المجتمع من دوافع وعوامل نفسية مبعثها تربية خاطئة في كنف أسرة تشابكت خيوط المعرفة والتربية لديها، فتاهت بها السبل، وضيعت بوصلة التعليم الحقيقي للأبناء، ما نتج عنه مثل هذه النماذج من شباب يحملون السكاكين والسيوف ويجوبون الشوارع، ويتشاجرون ويتشابكون مع من يعترض طريقهم، منفذين بذلك أغراضاً وأعراضاً نفسية قديمة غائرة وجديدة فائرة، والنتيجة إصابات جسدية في كثير من الأحيان تكون خطيرة، وقاتلة، وكل ذلك يهون في مقابل الإصابات النفسية التي تصيب الأهل والمجتمع جراء سماع مثل هذه الأحداث الدامية التي تدمي القلوب لأنها أحداث بطبيعة الحال لا تعبر عن ثقافة مجتمع حقق من التنمية الاقتصادية والثقافية ما يؤهل أبناءه بأن يتعاطوا مع الحياة بصورة أكثر حضارية وأكثر جدية والتزام بأخلاق الوطن المتحضر. إذن نحن أمام ظاهرة يجب دراستها وفحصها لأجل فهم أسبابها الحقيقية، ومن ثم القضاء عليها قضاء مبرماً. نحن بحاجة إلى علم اجتماعي نفسي يحدد أسباب الظواهر الطارئة ويتتبع أصولها وعلاجها إذا كانت بعض الأسباب بائنة وواضحة، فلا بد من أسباب أخرى مستترة تحتاج إلى هذا العلم المتخصص لنحمي مجتمعنا من ظاهرة كهذه وظواهر أخرى قد تطرأ نتيجة للتحولات الاجتماعية واتساع رقعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وما يواجه المجتمع من امتداد في علاقاته بالآخر. نحن بحاجة إلى هذا العلم الذي يقف راصداً ومراقباً لكل ما يستجد من تغيرات في المشهد الاجتماعي، وما يتبعه من أحداث مؤلمة في كثير من الأحيان. فهذا الشباب الذي يحمل السلاح الأبيض، نريده أن يشيح بوجوم لهذا السلاح ويستبدله بقلم نافع وعلم شافع يكون له درعاً ودرءاً من أي انزلاقات غضروفية تصيب عموده السلوكي. الحلول الفورية بفض الاشتباك، ثم العقاب المادي، لم تعد مجدية في مواجهة عوامل نفسية أقوى من أي علاج جسدي.


marafea@emi.ae