رجل لم يعتذر عن عروبته
كيف يرحل بعضنا بهدوء وقد ملأوا شوارعنا ومكتباتنا صخبا وحضورا وإبداعا؟
سؤال يفرض نفسه برحيل الناقد والأديب العربي الكبير رجاء النقاش الذي كان غزيرا في عطائه وإبداعه وكان واحدا من دعاة ''اللاحدود'' سواء في الثقافة العربية أم الحدود·
كان رجاء النقاش عميقا في تأملاته في الإنسان العربي، في همومه وواقعه واضطرابه وفي بحثه عن الممكن في زمن المستحيل!
فكان بحق آخر الرجال المحترمين في ساحة النقد الأدبي، لقد واكب النقاش كبار الأدباء والشعراء في عطائهم في الستينيات والسبعينيات فسلط الأضواء على أعمال الروائي المصري نجيب محفوظ والشاعر الفلسطيني محمود درويش والروائي الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا والروائي السوداني الطيب صالح وغيرهم من أعلام الشعر والأدب·
لذا جاء كتابه: ''محمود درويش شاعر الأرض المحتلة'' بمثابة حزمة ضوء على باكورة أعمال الشاعر الفلسطيني الكبير وغيره من شعراء الأرض المحتلة كسميح قاسم وتوفيق زياد والذين كانت الحياة الثقافية تحتاج جهودهم في خدمة النضال الوطني والقومي·
وقدم النقاش للساحة الثقافية عبر مجلة الإذاعة والتلفزيون ومجلتي الهلال والمصور ومجلة الدوحة الثقافية عددا من أعمال الروائي نجيب محفوظ لا سيما رواية المرايا وديوان الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي الذي يحمل عنوان ''مدينة بلا قلب'' ولم يكن ذلك سوى غيض من فيض هذا الناقد العربي الكبير الذي لم يعتذر يوما عن انتمائه العربي وثقافته القومية·
ويندر أن تجوب رفوف المكتبات العربية دون أن تقع عيناك على ''تأملات ومواقف''،
''كلمات في الفن''، ''مقعد صغير أمام الستار''، ''عباس العقاد بين اليمين واليسار''، ''الانعزاليون في مصر''، ''صفحات مجهولة في الأدب العربي المعاصر''·
أما مؤلفه الذي أثار ضجة وحصد جائزة الدولة التقديرية عام 2000 فكان ''قصة روايتين'' وفيها يتناول بالعرض الناقد والتحليل رواية الأديب السوري حيدر حيدر ''وليمة لأعشاب البحر ''ورواية الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي ''ذاكرة جسد''·
ويعد الناقد الراحل واحدا من أبرز الأدباء العرب الذين قاوموا التطبيع مع الكيان الصهيوني وعارضوا أية توجهات لتسوية سياسية للصراع العربي الصهيوني، وحافظ على وجه الثقافة العربية الأصيلة والناصع من خلال رحلة طويلة مع النقد الأدبي وساهم في صد محاولات الغزو الثقافي عبر قنوات العولمة الملغومة بالعزف على وتر التردي والانكسار· وكان النقاش رحمه الله عميد النقد الادبي في المرحلة· وقد جعل النقد يترجل عن عليائه ويلامس الواقع بكل تفاصيله فحوله من سلطة سياسية الى سلطة ثقافية جماهيرية·
اخيرا لن نقول في وداع رجاء النقاش إلا بعضا مما قاله الشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش في رسالة الوفاء التي وجهها للمرحوم النقاش عندما بلغ سن 73 سنة: ''كنت وما زلت أخي الذي لم تلده امي منذ جئت الى مصر اخذت بيدي وأدخلتني الى قلب القاهرة الانساني الثقافي و أنا مدين لك لأنك ابن مصر البار وابن الثقافة العربية الذي لم تدفعه موجات النزعات الإقليمية الرائجة الى الاعتذار عن عروبته الثقافية''