ليس سخرية كما قد يفهم من عنوان المقال، لكنه مجرد رأي محايد ـ أرجو أن نكون محايدين كما ندعي ـ فحكاية الفتاة الخليجية التي اشتكت والدها أمام دائرة أحوال أنفس المسلمين في محكمة دبي الابتدائية، وجدت صدى واسعاً لدى قراء الصحيفة أولاً ولدى جمهور الناس في المجتمع، أولاً لأن الحالة نادرة الحدوث في مجتمعنا، وثانياً لتزامن الشكوى مع موجة المسلسلات التركية المدبلجة وكثرة الشكاوى منها، رغم الإقبال الجماهيري عليها، وثالثاً لأن الشكوى انتهت بشطبها لعدم حضور المشتكية جلسة النظر المحددة، ما يثير تساؤلاً بديهاً عن السبب، فهل هو راجع لندم الابنة وتراجعها، أم لما قد يكون قد تعرضت له من ضغوط عائلية؟!!
لنناقش منطق الفتاة أولاً، فهي بحسب معطيات القضية معيدة في الجامعة وتبلغ الـ 28 من العمر، وتعرف جيداً حقها بحسب القوانين المعمول بها في الدولة وقد لجأت إلى المحكمة استفادة من قانون ثابت ومقر، وقبلت المحكمة شكواها واستدعت والدها للاستماع إليه، فالفتاة عاقلة وراشدة وبالغة ولديها من العلم والأهلية ما يؤهلها لاختيار شريك حياة مناسب، ثم هي تدافع عن حقها الشرعي في الارتباط والزواج وهو حق لا ينكره عليها أحد، ومن هنا تنتفي مسألة تأثرها بالمسلسلات التركية وغير ذلك مما قاله البعض، ممن علقوا على الحكاية، فالبنت ليست مراهقة أبداً.
أما بالنسبة لوالدها، فقد اعترف بحقها في الزواج ولم “يعضلها” بل إنه منفتح الذهن لهذا الحق الشرعي والطبيعي لابنته بالزواج وتكوين أسرة ـ كما جاء في أقواله ـ ولقد شاورها وفق ما يقضي الدين في كل من تقدم لخطبتها، وهي التي امتنعت وعارضت لأسباب لم توضحها، وربما كان ارتباطها بالشاب التركي هو السبب، ثم إن الوالد وبحسب أقواله يعرف جيداً مبدأ التكافؤ الاجتماعي الذي يتوجب توافره في الزواج وهو يستند عليه بشكل كبير في رفضه للشاب التركي، ومع ذلك فقد بدا أن رفضه مرتكز على جهله التام بكل ما يخص الشاب جملة وتفصيلاً.
لن نصف الفتاة بأي صفة ولن نظلم والدها، لكننا نعتقد أن الفتاة بلجوئها إلى المحكمة قد سلكت طريقاً محكوماً عليه بالفشل اجتماعياً، وهي ومن واقع تجربة مجتمع بأكمله لاتريد أن تصير عانساً كما أنها تصورت أن تعليمها وما تجده المرأة من تقدير وعلو شأن، يبيحان لها أن تذهب بكل ثقة إلى القاضي تطلب منه أن يكون وليها ليزوجها من شاب تركي لم يوافق والدها عليه، ليس اعتراضاً على جنسيته ربما ولكن للرجل بحكم تجربته وحبه لابنته وخوفه على مستقبلها وجهة نظر منطقية.
أما والد الفتاة ـ وكل والد في مجتمعنا ـ فإن عليه أن يعرف أنه طالما فتح لابنته بوابات الحياة ودفعها لتنهل من العلم أقصاه وأن تسافر وتخالط وتعرف وتتعرف، فإن الوقاية من هذه النهايات التي يعتبرونها كارثة، أمر غير مضمون، خاصة أن هناك ممن يرفض أهلهن تزويجهن يلجأن إلى طرق لا يمكن تخيلها كالزواج السري والعرفي والهروب من البيت، والزواج دون علم الأهل و...، وهذه أمور تحدث وبشكل واسع لكنها من الحالات ـ ليست النادرة كما يتصور البعض ـ بل من الحالات المسكوت عنها، والتي لايحب الكثيرون الإفصاح عنها بسبب طبيعة المجتمع الذي ننتمي إليه.
الحكاية تفتح الباب للكثير من الجدل ووجهات النظر.. وغداً نكمل.


ayya-222@hotmail.com