شجرة «الغاف» شجرة الخلود، واللانهائي، إنها الشجرة التي تقف في وجه الصعوبات، فهي برغم صغر حجم بذرتها، لها مقاومة لا تقهر من أجل البقاء. لا أحد يسقي هذه الشجرة، ولا أحد يمدها بالسماد لتنمو، ولا بستاني مارس الجهد الضروري لهذه النبتة كي تنمو، ومع ذلك فإنها تحيا وتترعرع، برغم كل الظروف الصعبة. إنها تحول معاناتها إلى فرصة، كي تشق أرض الصحراء وتنمو، فتصبح شجرة مترفة، تدلي خصلاتها، كي تهنأ الركاب من التغذي على أوراقها الندية.
إن شجرة الغاف توحي لنا بما قال عنه شوبنهور «الجهد، والكفاح ضد الصعوبات هو نبش الأرض، طبيعي للخلود، وأن تقهر الصعوبات يعني أن تجرب بهجة الوجود كاملة».

هذه الشجرة الخيرة، هي مثال للمخلوقات التي تعطي من أجل خير الآخرين، ومن أجل أن يصبح الوجود جميلاً. فعندما تكون قيم المخلوق مبنية على أسس الصمود في وجه العواتي، وعندما تكون أخلاقه هي من أخلاق السمو والرفعة، فإنه يصبح خالداً، ويصير الوجود في حضرته موئلاً للتكامل بين عناصره.
ونقل عن بنيامين فرانكلين قوله: «حين تكون خيراً من الآخرين، فإنك تكون أخير لنفسك».

الإنسان العدمي هو في الجوهر آكل لحم جسده، هو قاتل لنفسه، ومن يفجر نفسه لقتل الآخرين، هو في نهاية الأمر يقتل نفسه، هو حليف للموت، مضاد للحياة، هو ميت لم يتم دفنه، وهكذا فالأحرار هم الذين يحبون الحياة، ويعشقون رمل الصحراء برغم حرقتها، لأنها تعطيهم فرصة البقاء بعد مقاومة، وكفاح من أجل الحياة.

الذين يعيشون تحت السقوف الخفيضة، لا يحبون العلو مثل شجرة الغاف، التي تعلو على الأرض، وترتفع من أجل السمو، الذين يحبون المنخفضات الأرضيّة، هم الذين تعلقوا بالإجابات الجاهزة، ولم يتعلموا كيف يقطفون من السماء نور نجومها، فناموا بين الحفر، حتى تآكلت أفكارهم وأصبحت من نفايات الماضي، ولم يجدوا من وسيلة للهروب، سوى البطش بأجسادهم، هؤلاء هم السوداويون الذين تحدث عنهم فرويد، فهم عصابيون إلى درجة العدمية، اكتئابيون إلى درجة الفناء الداخلي. علاقتهم بالواقع، كعلاقة الريح بالشجر، قصف، وخسف، ونسف، وعبثية لا نهاية لمخالبها المدمرة.
إنها فقط خصائص شجرة الغاف، التي تلهمنا كيف تكون العلاقة التفاؤلية ما بين المخلوق والحياة، التي تطوقه بكل مقومات النجاة من التشاؤم.