التفاؤل نهر روسيا العظيم، بل أعظم من نهر الفولجا، وأشف من مياهه التي تخترق قارة روسيا من أقصاها إلى أقصاها.
عندما تمضي في شوارع موسكو، تتلقفك الابتسامة واسعة الظلال، وتحتويك، وتأخذك إلى عوالم سحرية، ومبهرة، وتسلبك منك فلا تجد نفسك إلا في خضم التفاؤل المزدهر، والشفافية الزاهية، تبدو أنت مثل فراشة تهفهف بأجنحة الفرح على وريقات من حرير الوجدان الإنساني الذي لم تخذله كل الانكسارات التاريخية التي عمت العالم، وكسرت أغصان الشجرة الإنسانية العملاقة.
تمضي في الشارع، وتصاحبك نسمات الصباح، وفي المقابل هناك ابتسامات، تشرق من جهة الوجوه السمحة، هناك نظرات تطل عليك مثل إطلالة الورود من بين شفة البساتين المترعة بما أنزل الله من عذب، وجذب، وحدب، هناك في المكان البعيد من الوجدان تبدو الحياة مثل نخلة وارفة، تزف جوهر ما للطبيعة من عفوية، وبراءة، وفطرة، لم تخدشها سكين العواقب التاريخية، هناك في أي شارع، أو زقاق، ترفل الحياة بوجوه لم يلحقها بطش الكآبة، ولم يلمسها رهط العُصاب القهري.
روسيا التي عانت من حضيض السياسة ورضيض التطرف في فترة ما من تسعينيات القرن الماضي، تنهض اليوم، بقوة الإرادة، وحب الحياة، وتنفض عن نفسها غبار السنين، لتقول للعالم أنا هنا، روسيا المنفتحة على الآخر، مشرعة الأبواب، والنوافذ، أقدم لكم هذا الشعب المنحدر من فسيفساء اندمجت فيها الاثنيات، والعرقيات، والدينيات، في بوتقة الحلم الواحد، حلم العالمية، وإنسانية الفكر والاقتصاد، والوجدان، الأمر الذي جعل من هذا البلد «القارة» يثب باتجاه الدنيا مثل جواد أصيل أبى إلا أن يكون في صلب المشهد العالمي، لينتهي به الأمر، إلى واحة خضراء مخضبة بحناء التفاؤل، وفرح الانفتاح، وانشراحة المكان، لتصبح روسيا اليوم، محط أنظار محبي الحياة، والجمال، وعشاق تسلق جبال المعرفة.
في هذا البلد العريق، تكتمل الصورة المدهشة، عندما تقف في ميدان من ميادينها الشاسعة، ومعك خاتم غربتك، وكذلك رغبتك في الاندماج مع كون أشبه بالتضاريس المفتوحة على آخرها من دون حدود، أو أسئلة مبهمة، تكون أنت في هذا المكان، مثل رسام يطل على لوحة ملونة بالفرح، وخطوطها مثل خيوط الجداول في أحشاء الأرض.
تقف، وتتأمل، ومن حولك، الابتسامات، تحيطك، بالأمان، فتشكر روسيا على جهودها في كبح نوازع التطرف، والإرهاب، تشكرها لأنها أيقظت في العالم، روح المحبة، عندما عرفت كيف تصطاد الأمل، وكيف تروغ عن نفسها ما يعكر وجدان البشر، وما يضر بمستقبل الأجيال.