كتب غسان كنفاني، الصحفي والروائي والمناضل الفلسطيني، عدداً كبيراً من المقالات في الأدب والفن تحت أسماء مستعارة، وكان ساخراً لاذعاً غير مسالم فيما يقع تحت يديه من أعمال أدبية اعتبرها سطحية لا تقدم أصالة ولا فكراً؛ كان ساخطاً بأسلوب متهكم بلا رحمة. وأعتقد أن غسان -رحمه الله- كان يدرك تماماً مخاطر هذا الفعل التي قد تفوق مخاطر نضاله السياسي الذي عادى فيه حكومات ودولاً.. ولهذا فقد صنع خيراً بإخفاء هويته؛ وإن كان ذلك الأسلوب ينقص من قيمة النقد كون صاحبه مجهولاً فيشكك القارئ في جدية الطرح.
هذا كان رأيي، ورغم ذلك.. سأعترف لكم.
كتبت ولفترة طويلة تحت اسم مستعار «جويرية هارون». كان ذلك منذ سنوات طويلة أثناء عملي في صحيفة «الاتحاد»، وبتواطؤ مع القائم على شؤون الصفحة آنذاك بغرض تحفيز القراء على الرد والمشاركة، وهي سياسة متبعة في كل الصحف. كانت فكرة العمود الأسبوعي تقوم على مبدأ الفضفضة النسوية، مرة عن أعباء الأم العاملة ومرة عن هموم البنات والعازبات أو المطلقات وحتى عن الحوامل، ومرة عن الرجال وأفعالهم، ومرة عن التحديات التي تواجهها الأسرة بأسلوب متهكم في كثير من الأحيان. كان ذلك من باب فتح باب لعرض حوارات تدور أساساً في المجالس والمجتمع، ولكن لا يتجرأ أحد على طرحها على صفحة ما في جريدة رسمية. الحقيقة أنه وبعد هذا العمر -ما يقارب العقدين- لا أدري أي جرأة تلك التي كنت أعتقد أني أملكها، بينما كنت أختبئ تحت اسم مستعار!
الآن وأنا أتذكر تلك الكتابات، بأسف على ذلك الجبن المكنون فينا نحن الإناث، أتساءل: هل لو عاد الزمن بي كنت سأذيل كتاباتي تلك باسمي الحقيقي؟! وبعد محاورة داخلية، أُجيب بصدق: بالطبع لا. لن أصرح بشخصيتي تحت تلك الكلمات. كما أني وبعد هذا العمر لست على استعداد لطرح تلك المواضيع في زاويتي، فما زال الوضع على حاله للأسف، وما زلت لا أملك تلك الجرأة التي وجدتها في نفسي عندما كتبت خلف اسم مستعار؛ ومازال المجتمع على حاله يرفض المواجهة ويعد أي أمر نشتغل عليه نحن الكتاب، والكاتبات على وجه الخصوص، إنما هو إشارة لأمر شخصي يخصنا، وأي قصة أو قضية نأخذ موقفاً تجاهها فإنها بالتأكيد لنا، وعليه فالحكم علينا حاضر ونقدنا جاهز، ونهايتنا محتومة! ومع الفرق الكبير بيني وبين كنفاني، إلا أن قسوة الآخرين ونبذهم.. واحدة.