لكل مجتمع في العالم، له الجميل من الكلام العذب الوجداني الرقيق الذي ينبع من القلب ويصل مباشرة إلى القلب، وهو نتاج إبداع إنساني صاغه السابقون من الآباء والأجداد على شكل أمثال وحكم وعبارات جميلة وأشعار نتيجة لإبداع الحالة الوقتية التي سادت تجليات المجتمعات.. لقد عاش الناس في منطقة شبه الجزيرة العربية حياة غاية في التسامح والإيثار، وكان الفرد في خدمة الجماعة يبادر للعمل من أجلها، وكانت الجماعة تحرص على الفرد كسائر الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما جاء في الحديث الشريف “لرسول الله صلى الله عليه وسلم”، فكان من الطبيعي أن يكون الكلام السائد والعبارات متوافقة مع هذا الحب وهذه المبادئ لاسيما وأن شظف العيش كان يؤرق الأهالي في تلك الحقب الصعبة. .. في كتابه “عنف اللغة”، يقول جان جاك لوسركل “إن عالمنا هو لغتنا وأن اللغة ليست ذلك البناء الهندسي المنتظم الذي يقيمه عالم اللغة، بل هي الحياة بكل تناقضاتها وفوضويتها”، إذا كان لوسركل في مؤلفه “عنف اللغة” ناقش وحلل “المتبقي من اللغة تحليلا دقيقا ووصفها بالفضالة التي لا تعترف بنظام اللغة وقواعدها المنتظمة كالتوريات والنكات والإعلانات وغيرها من الأبواب المختلفة”، ويقول عنها بأنها تمشي متوازنة مع نظام اللغة فتثريها وتدعمها، فإن “المتبقي” من اللغة العربية التي علمها الله عز وجل لآدم عليه السلام قد ميزت اللغة وزادها جمالا وعبارات وأشعارا وأمثالا، كانت بمثابة عهود لا تخرقها المجتمعات العربية فأصبح الكثير منها بمثابة أعراف. .. من العبارات الجميلة وهي كثيرة التي تحفظها الذاكرة المحلية والخليجية عبارة تقول “على حطة يدك”، وهو رد على سؤال من يستفسر عن أحوالك وأخبارك وهنا تتجلى معاني الود والاحترام والمشاعر الوجدانية الرقيقة التي يحفظها الشخص لصاحب السؤال.. وعبارة أخرى تقول “إذا خضرا.. ما تهيف”، وتستخدم عند زيارة المريض بعد تماثله للشفاء لرفع روحه المعنوية والشد من أزره ومعناها بأن الورقة الخضراء في الشجرة لا تزبل ولن تسقط طالما هي خضراء وقوية، وهنا نسوق هاتين العبارتين وهناك الكثير منها لا تسعنا هذه الزاوية لذكره. .. ماذا بقي من الكلام المتبقي الجميل في عصرنا الحالي؟ أين تلك العبارات والأمثال التي نحتها الآباء والأجداد من وحي اللغة الأم؟ وإذا كانت باقية هل يتم استخدامها في الوقت الحالي من الجيل الجديد من أبنائنا؟ والحديث موصول في الأسبوع القادم... إبراهيم العسم