نتابع الجهود التي يقوم بها جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية، وهي كبيرة ومقدرة، ومحل إشادة الجميع، لأنه اعتبر حماية صحة المستهلك وجودة ما يقدم اليه خطاً أحمر لا يسمح بتجاوزه، وقد تناولت تلك الجهود عبر هذه الزاوية في مناسبات مختلفة. وأتابع هذه الأيام باهتمام كبير الملتقيات التي ينظمها والخطوات التي يمهد لها لتنظيم عمل البقالات الصغيرة المنتشرة في مختلف مدن ومناطق وأحياء مدينة أبوظبي العاصمة والإمارة بشكل عام. ورغم تطمينات الجهاز أن لا تغلق بقالة طالما التزمت بالمعايير التي سيعلن عنها قبل نهاية العام الجاري، فإنني أبشر الجهاز بأن ما لا يقل عن 95 في المائة من هذه البقالات ستغلق أبوابها وسينتقل أصحابها إلى مناطق أخرى بعيدا عن المعايير الصارمة وواضحة المعالم من الصور التي ستكون عليها البقالات مستقبلا. والسبب أن تلك المعايير والقواعد التي قام عليها عمل البقالات في خطين متباعدين.
ومنذ أن تفتحت أعيننا على بقالات” كوتي” و”الكراشية”، عرفناها محال صغيرة تقوم بخدمات جليلة للسكان في الفرجان. تبيع كل شيء بأخف الأوزان وأقل الأثمان، ومعظمها مع زبائن يدفعون بالأجل. تبيع المواد الغذائية وحتى أقراص مقاومة الصداع والألم والى اسطوانات الغاز.
اليوم أصبح على رب المنزل اذا كان بيته غير موصول بخدمات الغاز المركزي، أن يستأذن من مقر عمله ليبحث عن أقرب محطة” أدنوك” ليشتري اسطوانة غاز، وإلا لما وجد غداءه جاهزا لدى عودته من العمل، ورمضان على الأبواب، حيث تشتعل أعصاب البعض عندما يتأخر الطعام. هذه صورة لما أصبح مصدر إزعاج للعامة من الاشتراطات والمعايير الصارمة للجهاز الذي كان بإمكانه بدلًا من اللجوء للمنع أن يلزم أصحاب البقالات توفير أماكن آمنة لحفظ هذه الاسطوانات.
من ضمن المعايير التي ستطلب من البقالات أن تحمل السلع داخلها ”بار كود” بحيث يقرأها جهاز كشف السعر عند الدفع. غالبية الذين يعملون في تلك البقالات لم يتعرفوا على السيد ”كمبيوتر” إلا عندنا، وبالتالي علينا أن نعرفهم أيضا على ابن عمه السيد” باركود” والطباعة الليزرية.
كما أن كلفة وضع المعايير التي ستكون حسب مساحة كل بقالة ستصبح بتكاليف قد تقترب من إيجار المحل نفسه. لذلك فإن مسألة المعايير والاشتراطات ستدفع بالكثيرين للخروج من التجربة بأقل الخسائر والهروب إلى مناطق اخرى يستطيعون معها تحقيق الأرباح التي اعتاد عليها أصحاب تلك البقالات الذين يجمعون الفلس إلى الفلس، واكتشفنا بعد أكثر من نصف قرن أن مداخيلهم السنوية تقدر بمليارات الدراهم، بحسب دراسة أعلنت مؤخرا، دون أن يشرح لنا صاحب الدراسة كيف توصل الى تلك الأرقام وسط الحماس لتنظيم عمل البقالات.
وكنت أتمنى من الجهاز إعداد ملتقيات للجمهور وتأهيليه لنسيان خدمة الاتصال بصاحب البقالة حتى عند منتصف الليل لطلب توصيل عصائر للصغار، بعد كل تلك الاشتراطات والمعايير التي سبقنا إليها العالم، لأن هذه الخدمة ستختفي، ونستعد للتعود على البقالات الجديدة وفق المعايير الجديدة.


ali.alamodi@admedia.ae